(والثاني): أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَجُز أن يأمر بما نهى عنه، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسّره، وكَذَب عمر في تأويل تأوّله في الهجرة، وخطّأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العدّة، فمن المحال الممتنع الذي لا يجوز البتة أن يكون - صلى الله عليه وسلم - يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ، فيكون حينئذ أمر بالخطأ، تعالى الله عن ذلك، وحاشا له - صلى الله عليه وسلم - من هذه الصفة، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنهم يُخطئون، فلا يجوز أن يأمر باتباع من يُخطئ، إلا أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أراد نقلهم لما رووا عنه، فهذا صحيح؛ لأنهم - رضي الله عنهم - كلهم ثقات، فمن أيهم نقل فقد اهتدى الناقل.
(والثالث): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يقول الباطل، بل قوله الحقّ، وتشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد، وكذب ظاهر؛ لأنه من أراد مطلع الجدي، فأمّ جهة مطلع السرطان لم يهتد، بل قد ضلّ ضلالًا بعيدًا، وأخطأ خطأ فاحشًا، وليس كلّ النجوم يُهتدى بها في كلّ طريق، فبطل التشبيه المذكور، ووضح كذب ذلك الحديث، وسقوطه وضوحًا ضروريًّا. انتهى.
ونقل خلاصته ابن الملقّن في "الخلاصة" ٢/ ١٧٥ وأقرّه، وبه ختم على الحديث، وقال: وقال ابن حزم: خبر مكذوب، موضوع، باطل، لم يصحّ قط.
وروي هذا الحديث بلفظ آخر، وهو:
"أهل بيتي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم"، وهو في نسخة أحمد بن نبيط الكذّاب، وقد قال الذهبيّ في هذه النسخة: فيها بلايا، وأحمد بن إسحاق لا يحلّ الاحتجاج به، فإنه كذاب، وأقرّه الحافظ في "اللسان".
(وأما حديث:"اختلاف أمتي رحمة"): فلا أصل له، قال السبكي رحمه الله: ليس بمعروف عند المحدّثين، ولم أقف له على سند صحيح، ولا ضعيف، ولا موضوع.
وأما قول السيوطيّ في "الجامع الصغير": ولعله خُرّج في بعض كتب الحفّاظ التي لم تصل إلينا، فمن أعجب ما يُسمع ويرى من أمثال السيوطيّ الجامع بين النقل والعقل، فهل نقول لكل حديث موضوع: فلعل له سندًا صحيحًا لم يصل إلينا؟ إن هذا لهو العجب العجاب!.