وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في "الإحكام في أصول الأحكام" ٥/ ٦٥ بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث: وهذا من أفسد قول يكون؛ لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطًا، وهذا ما لا يقوله مسلم؛ لأنه ليس إلا اتفاق، أو اختلاف، وليس إلا رحمة، أو سخط.
[فإن قيل]: إن الصحابة - رضي الله عنهم - قد اختلفوا، وهم أفاضل الناس، أفيلحقهم الذمّ المذكور؟
[قلت]: أجاب عنه الإمام ابن حزم رحمه الله، فقال في كتابه المذكور ٥/ ٦٧ - ٦٨: كَلّا، ما يلحق أولئك شيء من هذا؛ لأن كلّ امرئ منهم تحرّى سبيل الله، ووجهة الحقّ، فالمخطئ منهم مأجور أجرًا واحدًا؛ لنيّته الجميلة في إرادة الخير، وقد رُفع عنهم الإثم في خطئهم؛ لأنهم لم يتعمّدوه، ولا قصدوه، ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين، وهكذا كلّ مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين، ولم يبلغه، وإنما الذمّ المذكور، والوعيد المنصوص لمن ترك التعلّق بحبل الله تعالى، وهو القرآن، وكلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد بلوغ النصّ إليه، وقيام الحجّة به عليه، وتعلّق بفلان وفلان، مقلّدًا عامدًا للاختلاف، داعيًا إلى عصبيّة، وحميّة الجاهليّة، قاصدًا للفرقة، متحريًا في دعواه بردّ القرآن والسنة إليها، فإن وافقها النصّ أخذ به، وإن خالفها تعلّق بجاهليّته، وترك القرآن، وكلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء هم المختلفون المذمومون، وطبقة أخرى، وهم قوم بلغت بهم رقّة الدين، وقلّة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كلّ قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كلّ عالم، مقلّدين له غير طالبين ما أوجبه النصّ عن الله، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله، وهو تحقيقٌ نفيس، وبحثٌ أنيسٌ لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله المذكور أولَ الكتاب قال: