وأخرجه النسائيّ، من طريق عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير بلفظ:"ولا يُمسّ طيبًا خارجٌ رأسه"، قال شعبة: ثم حدثني به بعد ذلك، فقال:"خارج رأسه ووجهه". انتهى. وهذه الرواية تتعلق بالتطيب، لا بالكشف، والتغطية، وشعبة أحفظ من كلّ من روى هذا الحديث، فلعلّ بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية.
وقال أهل الظاهر: يجوز للمحرم الحيّ تغطية وجهه، ولا يجوز للمحرم الذي يموت، عملًا بالظاهر في الموضعين.
وقال آخرون: هي واقعة عين، لا عموم لها؛ لأنه علّل ذلك بقوله:"فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا"، وهذا الأمر لا يتحقّق وجوده في غيره، فيكون خاصًّا بذلك الرجل، ولو استمرّ بقاؤه على إحرامه لأَمَرَ بقضاء مناسكه.
وقال أبو الحسن ابن القصّار: لو أريد تعميم هذا الحكم في كلّ محرم لقال: "فإن المحرم"، كما جاء:"أن الشهيد يبعث، وجرحه يثعب دمًا".
وأجيب بأن ظاهر الحديث ظاهر في أن العلّة في الأمر المذكور كونه كان في النسك، وهي عامة في كلّ محرم، والأصل أن كلّ ما ثبت لواحد في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثبت لغيره، حتى يتّضح التخصيص. انتهى المقصود من كلام الحافظ.
وقد أجاد المحدّث الكبير الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "إرواء الغليل"، حيث حقّق صحّة زيادة ذكر الوجه في هذا الحديث خلاف ما قاله البيهقيّ وغيره من أن ذكره غريب، وحاصل ما قاله الشيخ بعدما خرّج الحديث:
وفي رواية منصور، عن سعيد بن جبير بلفظ:"ولا تُغَطُّوا وجهه"، بدل:"ولا تخمّروا رأسه"، رواه مسلم، وأبو عونة، وابن الجارود، والبيهقيّ، وكذلك
(١) قال الجامع: نقل الحافظ رحمه الله لرواية مسلم تخليط، فقوله: من طريق إسرائيل، عن منصور، وأبي الزبير، ليس كذلك؛ لأن رواية إسرائيل قاصرة على منصور، وأما أبو الزبير، فإنما روى عنه زهير، لا إسرائيل، وقوله: وقال أبو الزبير: "ولا تكشفوا وجهه، ليس كما قال، بل هو: "وأن يكشفوا وجهه" فتنبّه.