للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المواضع الثلاثة متقاربة، فالشجرة بذي الحليفة، وأما البيداء فهي بطرف ذي الحليفة، فيَحْتَمِل أنها نزلت بطرف البيداء؛ لتبعد عن الناس، وكان منزل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة حقيقة، وهناك بات، وأحرم، وهي عند الشجرة، فسمي منزل الناس كلِّهم باسم منزل إمامهم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: و"الشجرة": شجرة كانت هناك بذي الحليفة، و"البيداء" طرف منها، وكأنها إنما نزلت هناك لتبْعُد عن الناس لأجل الولادة.

وأمْره - صلى الله عليه وسلم - لها بأن تغتسل: إنما كان للإهلال، وهو الإحرام.

قال: وفي الحج أغسال، هذا أوكدها، وهو سنة عند الجمهور، وقال بوجوبه عطاء، والحسن في أحد قوليه، وأهل الظاهر.

والغسل الثاني: لدخول مكة، قال: ومن أصحابنا من اكتفى بهذا الغسل عن الطواف، وقال: إنه شُرع لأجل الطواف؛ لأنه أول مبدوء به عند الدخول، ومنهم من لم يكتف به، وقال: لا بدَّ من غسل الطواف، وإنما ذلك للدخول فقط.

والغسل الثالث: للوقوف بعرفة، وهذه الأغسال كلها سنن مؤكدةٌ، وقد أطلق مالك على جميعها الاستحباب، وأوكدها غسل الإحرام. انتهى كلام القرطبي رحمه الله (٢).

(فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ) الصدّيق - رضي الله عنه -، وهو زوجها (يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتسِلَ، وَتُهِلَّ) أي: تُحرم بالحج، يقال: أهلّ المحرم: رفع صوته بالتلبية عند الإحرام، وكلُّ من رفع صوته فقد أهل إهلالًا، واستَهَلَّ استهلالًا بالبناء للفاعل فيهما. أفاده في "المصباح".

وهذا الاغتسال للنظافة، لا للطهارة؛ لأنها نفساء لا تطهر إلا بانقطاع الدم عنها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "إكمال المعلم" ٤/ ٢٢٩.
(٢) "المفهم" ٣/ ٢٩٧.