(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين - رضي الله عنه - (أنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: من المدينة (عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) بفتح الواو، وكسرها؛ أي: في عام حجة الوداع، وهو العام العاشر من الهجرة النبويّة، سُمّيت بحجة الوداع؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَدَّع الناس فيها، ولم يحجّ بعد الهجرة غيرها.
وقال القرطبيّ رحمه الله: سُمِّيت بذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الناس وَدَّعهم فيها، وقال:"لعلي لا أحج بعد عامي هذ"، وقال:"ألا هل بلغتُ؟ " فقالوا: نعم، فقال:"اللَّهم اشهد"، وكذلك كان، فإنه - صلى الله عليه وسلم - وجازاه عنا خيرًا - تُوُفِّي في ربيع الأول، في الثاني عشر منه - على أولى الأقوال وأشهرها - على رأس ثلاثة أشهر ونَيِّف من موقفه ذلك، ولم يحجّ في الإسلام غير تلك الحجة، وحجّ فيها بجميع أزواجه. انتهى (١).
(فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) أي: أحرم بعضنا بعمرة، ومنهم عائشة - رضي الله عنها - كما سيأتي.
قال القاضي عياض رحمه الله: اختلفت الروايات عن عائشة - رضي الله عنها - فيما أحرمت به، اختلافًا كثيرًا، فذكر مسلم من ذلك ما سيأتي - يعني قولها:"ولم أهلّ إلا بعمرة" - وفي رواية لمسلم أيضًا عنها:"خرجنا لا نَرَى إلا الحجّ"، وفي رواية القاسم عنها:"خرجنا مهلّين بالحجّ"، وفي رواية:"لا نذكر إلا الحجّ"، وكلّ هذه الروايات صريحة في أنها أحرمت بالحجّ، وفي رواية الأسود عنها:"نلبّي لا نذكر حجًّا، ولا عمرة".
قال القاضي: واختلف العلماء في الكلام على حديث عائشة - رضي الله عنه -، فقال مالك: ليس العمل على حديث عروة، عن عائشة عندنا قديمًا، ولا حديثًا، وقال بعضهم: يترجّح أنها كانت محرمة بحجّ؛ لأنها رواية عمرة، والأسود، والقاسم، وغلّطوا عروة في العمرة، وممن ذهب إلى هذا القاضي إسماعيل، ورجّحوا رواية غير عروة على روايته؛ لأن عروة قال في رواية حماد بن زيد، عن هشام، عنه: حدّثني غير واحد أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها:"دعي عمرتك"، فقد بان أنه لم يسمع الحديث منها.