قال القاضي رحمه الله: وليس هذا بواضح؛ لأنه يَحْتَمِل أنها ممن حدّثه ذلك.
قالوا أيضًا: ولأن رواية عمرة، والقاسم نَسّقت عمل عائشة في الحجّ من أوله إلى آخره، ولهذا قال القاسم عن رواية عمرة: أنبأتك بالحديث على وجهه.
قالوا: ولأن رواية عروة إنما أخبر عن إحرام عائشة، والجمع بين الروايات ممكن، فأحرمت أوّلًا بالحجّ كما صحّ عنها في رواية الأكثرين، وكما هو الأصحّ من فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر أصحابِه، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بفسخ الحجّ إلى العمرة، وهكذا فسّره القاسم في حديثه، فأخبر عروة عنها باعتمارها في آخر الأمر، ولم يذكر أول أمرها.
قال القاضي: وقد تعارض هذا بما صحّ عنها في إخبارها عن فعل الصحابة، واختلافهم في الإحرام، وأنها أحرمت هي بعمرة، فالحاصل أنها أحرمت بحجّ، ثم فسخته إلى عمرة حين أُمر الناس بالفسخ، فلما حاضت، وتعذّر عليها إتمام العمرة، والتحلّل منها، وإدراك الإحرام بالحجّ، أمرها النبي بمكة - صلى الله عليه وسلم - بالإحرام بالحجّ، فأحرمت، فصار مُدخلة للحجّ على العمرة، وقارنة. انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القاضي عياض رحمه الله تحقيق نفيسٌ جدًّا. وحاصله أن رواية عروة أنها أهلّت بالعمرة صحيحة؛ لأنها محمولة على آخر أمرها، بعد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بفسخ الحجّ إلى العمرة، وأما أول أمرها، فإنها ممن أحرم بالحجّ، فلا تعارض بين الروايات، فتأمل، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله: قولها: "فأهللنا بعمرة"؛ تعني: أنها هي أهلّت بعمرة مع غيرها من أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو تكون النون للعظمة، وفيه بُعْدٌ، وقد أخبرت عن نفسها وحدها؛ إذ قالت:"فأهللت بعمرة"، و"كنت فيمن أهلّ بعمرة"؛ وهذا يعارضه قولها في الرواية الأخرى:"خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلّين بالحج"، وفي أخرى:"لا نرى إلا الحج".