للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال وليّ الدين رحمه الله: قد تبيّن في رواية أخرى في "الصحيح" سبب اعتمار عائشة - رضي الله عنها - من التنعيم، وهو أنها قالت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: يرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج، وهو مشكلٌ إذ قد حصلت لها العمرة التي أدخلت عليها الحج، فإنها لم تبطلها كما تقدم.

وأجيب عنه بأن معناه: يرجع الناس بحج مفرد عن عمرة، وعمرة مفردة عن حج، وأرجع وليست لي عمرة منفردة، حَرَصَت بذلك على تكثير الأفعال، كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهنّ من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة، وأتموا العمرة، وتحللوا منها قبل يوم التروية، ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية، فحصلت لهم حجة منفردة، وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران، وتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها يوم النفر: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك"؛ أي: وقد تَمّا وحُسِبا لك، فابت، وأرادت عمرة منفردة كما حصل لبقية الناس، وهذا معنى قولها: امكان عمرتي التي سكتُّ عنها" أي: التي سكت عن أعمالها، فلم أتمها منفردة، بل مضمومة للحج، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية أخرى: "هذه مكان عمرتك". انتهى (١).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ") قال الزركشيّ رحمه الله: المشهور رفع "مكانُ " على الخبر؛ أي: عِوَضُ عمرتك التي تركتها لأجل حيضك، ويجوز النصب على الظرف، وقال بعضهم: لا يجوز غيره، والعامل محذوف، تقديره: هذه كائنة مكانَ عمرتك، أو مجعولة مكانها. انتهى (٢).

وقال السهيليّ: الوجه النصب على الظرف؛ لأن العمرة ليست بمكان لعمرة أخرى، لكن إن جُعلت "مكان" بمعنى عِوَض، أو بدل مجازًا؛ أي: هذه بدل عمرتك جاز الرفع حينئذ. انتهى (٣).


(١) "طرح التثريب" ٥/ ٣٤.
(٢) "زهر الربى" ٥/ ١٦٧.
(٣) "المرعاة" ٩/ ٥٧.