قال القرطبيّ رحمه الله: إنما قال لها هذا؛ لأنها لم تطب نفسًا بالعمرة التي أردفت عليها؛ لأنها طافت طوافًا واحدًا، وسعت سعيًا واحدًا، كما جاء عنها من حديث جابر: أنها قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، فقال لعبد الرحمن: أعمرها من التنعيم، فلما فرغت منها، قال لها هذه المقالةَ تطييبًا لقلبها؛ ألا ترى أنه قد حكم بصحّة العمرة الْمُرْدَف عليها، وعلى هذا فلا يكون فيه حجة لمن يقول: إنها رفضت العمرة المتقدمة، وهذه قضاء لتلك المرفوضة؛ لِما قررناه، فتدبّره، وأنصّ ما يدلّ على صحة ما قلناه قولها: وأمرني أن أعتمر من التنعيم مكان عمرتي التي أدركني الحجّ، ولم أحلل منها. انتهى (١).
(فَطَافَ) أي: طواف العمرة (الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ) وحدها، تعني الذين أفردوا العمرة عن الحجِّ (بِالْبَيْتِ) متعلق بـ "طاف"(وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوةِ) أي: سعوا بينهما، قال القاري رحمه الله: الطواف يراد به الدور الذي يَشْمَل السعي، فصحّ العطف، ولم يُحتج إلى تقدير عامل، وجَعْلِه نظير:"علفتها تبنًا وماء باردًا"(ثُمَّ حَلُّوا) أي: خرجوا من العمرة بالحلق، أو التقصير، ثم أحرموا بالحج من مكة (ثُمَّ طَافُوا طَوَافًاآخَرَ) أي: للحج يوم النحر، وهو طواف الإفاضة (بَعْدَ أنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى) أي: إلى مكة، وقد سقط عنهم طواف القدوم
إجماعًا لأنهم صاروا في حكم أهل مكة، والمكيّ لا طواف عليه للقدوم، إلا ما حُكي عن الإمام أحمد أن المتمتع يطوف يوم النحر أولًا للقدوم، ثم يطوف طوافًا آخر للحج، وخالفه الجمهور، وهو الصواب؛ إذ لم ينقل عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أنهم طافوا الطواف المذكور، والله تعالى أعلم الِحَجَّهِمْ) فيه أن المتمتّع عليه طواف لعمرته، وطواف لحجه بعد رجوعه من منى.
(وَأمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) أي: ابتداء، أو إدخالًا لأحدهما على الآخر (فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) تعني أن الذين قرنوا بينهما اكتفوا بطواف