للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله مالك رحمه الله أرجح؛ لتوقيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ميقات المكيّ بالحلّ، فلا يُجزئ غيره، فتأمل، والله تعالى أعلم.

٧ - (ومنها): أنه استُدِلَّ به على أن أفضل جهات الحل للإحرام بالعمرة منها: التنعيم، وبه قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية، والأصح عندهم أن الأفضل الإحرام بها من الجعرانة؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - فعله، ثم من التنعيم؛ لكونه أمر به، ثم من الحديبية؛ لكونه هَمّ به، وقالوا: إنما أمر عبد الرحمن بالتنعيم؛ لتيسّره فإنه أقرب الجهات كما تقدم.

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الشيرازيّ رحمه الله أقرب، فتأمل، والله تعالى أعلم.

قال وليّ الدين: زاد بعضهم على هذا، فقال: إنه يتعين التنعيم للإحرام بالعمرة منه، وحكاه القاضي عياض عن مالك، وإنه ميقات المعتمرين من مكة، قال النوويّ: وهذا شاذ مردود، والذي عليه الجماهير أن جميع جهات الحلّ سواء، ولا يختص بالتنعيم، والله تعالى أعلم (١).

٨ - (ومنها): جواز تكرار العمرة؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - اعتمرت في شهر واحد عمرتين بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن القيِّم رحمه الله: إنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتَمَر مدّة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولا اعتمر بعد الهجرة، إلا داخلًا إلى مكة، ولم يعتمر قطّ خارجًا من مكة إلى الحلّ، ثم يدخل مكة بعمرة، كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته، إلا عائشة وحدها. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن القيّم رحمه الله، فيه نظر لا يخفى، فإن عائشة - رضي الله عنها - اعتمرت مرّتين في شهر بأمره - صلى الله عليه وسلم -، فدلّ على مشروعيته، فهل يُطلب دليلٌ أكثر من هذا؟ وأما الاستدلال بترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) "طرح التثريب"٥/ ٣٤ - ٣٥.