للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمة، مع أفضل الخلق بأمره، فكيف يكون حج من حج مفردًا، واعتمر عقب ذلك، أو قارنًا، ولم يسق الهدي أفضل من حج هؤلاء معه بأمره؟

قال: ويقال في الجواب عن الحديث: "لو استقبلت … ": إنه لم يقل هذا لأجل أن الذي فعله مفضول، بل لأن أصحابه شقّ عليهم أن يحلّوا من إحرامهم مع بقائه محرمًا، فكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أُمروا به عن انشراح، أو موافقة، قال: وقد ينتقل من الأفضل للمفضول لما فيه من الموافقة، وائتلاف القلوب.

قال: وعلى هذا التقدير يكون الله قد جمع له بين أن فعل الأفضل، وبين أن أعطاه بما يراه من الموافقة لهم ما في ذلك من الفضل، فاجتمع له الأجران، وهذا هو اللائق بحاله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى المقصود من كلام ابن تيمية رحمه الله بتصرّف (١)، وهو كلام نفيس جدًّا.

والحاصل أن من ساق الهدي فالقران له أفضل، ومن لم يسق الهدي فالتمتّع له أفضل، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في - صفة حجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -:

(اعلم): أنه اختلفت روايات الصحابة - رضي الله عنهم - في حجه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، هل كان مفردًا، أو قارنًا، أو متمتّعًا؛ ورُوي كلّ منها في "الصحيحين"، وغيرهما، واختلف الناس في ذلك، وفي إحرامه على أقوال:

(أحدها): أنه حجّ مفردًا، لم يعتمر معه (٢)، حُكي هذا عن الإمام

الشافعيّ وغيره، قال القسطلّاني في "المواهب": والذي ذهب إليه الشافعيّ في جماعة أنه - صلى الله عليه وسلم - مفردًا، وحكاه الزرقانيّ في "شرح المواهب" عن الإمام مالك، وحكي عن الشافعيّ وغيره أن نسبة القران والتمتّع إليه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاتساع؛ لكونه أمر بهما. انتهى.


(١) راجع: "مجموع الفتاوى" ٢٦/ ٨٦ - ٩١.
(٢) ما أبعد هذا القول من الأحاديث الصحيحة، أنه - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة، فتنبّه.