للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن القيّم: ورأيت لشيخ الإسلام - يعني شيخه ابن تيميّة رحمه الله - فصلًا حسنًا في اتفاق أحاديثهم، نسوقه بلفظه، قال: والصواب أن الأحاديث في هذا الباب متفقة، ليست بمختلفة، إلا اختلافًا يسيرًا يقع مثله في غير ذلك، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - ثبت عنهم أنه تمتع، والتمتع عندهم يتناول القران، والذين رُوي عنهم أنه أفرد، رُوي عنهم أنه تمتع، أما الأول ففي "الصحيحين" عن سعيد بن المسيِّب، قال: اجتمع عليّ وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن المتعة، أو العمرة، فقال عليّ - رضي الله عنه -: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنهى عنه، فقال عثمان: دَعْنا منك، فقال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى - رضي الله عنه - ذلك، أهلّ بهما جميعًا، فهذا يبيّن أن من جمع بينهما كان متمتعًا عندهم، وأن هذا هو الذي فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ووافقه عثمان على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، لكن كان النزاع بينهما، هل ذلك الأفضل في حقنا أم لا؟ وهل شُرع فسخُ الحج إلى العمرة في حقنا، كما تنازع فيه الفقهاء، فقد اتَّفَقَ عليّ وعثمان على أنه - صلى الله عليه وسلم - تمتع، والمراد بالتمتع عندهم القران، وفي "الصحيحين" عن مُطَرِّف قال: قال عمران بن حصين: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين حج وعمرة، ثم إنه لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرِّمه، وفي رواية عنه: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمتعنا معه، فهذا عمران، وهو من أجلّ السابقين الأولين، أخبر أنه تمتع، وأنه جمع بين الحج والعمرة، والقارن عند الصحابة متمتع، ولهذا أوجبوا عليه الهدي، ودخل في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} الآية [البقرة: ١٩٦]، وذكر حديث عمر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني آت من ربي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقُلْ: عمرة في حجة"، رواه البخاري.

قال: فهؤلاء الخلفاء الراشدون: عمر، وعثمان، وعليّ، وعمران بن حصين، رُوي عنهم بأصح الأسانيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرن بين العمرة والحج، وكانوا يسمون ذلك تمتعًا، وهذا أنس يذكر أنه سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة جميعًا.

وما ذكره بكر بن عبد الله المزنيّ، عن ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - لبى بالحج وحده، فجوابه أن الثقات الذين هم أثبت في ابن عمر من بكر، مثل سالم ابنه، ونافع، رووا عنه أنه قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج، وهؤلاء