قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين لهلال ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال: من شاء أن يُهِلّ بحج فليهلّ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل بعمرة، ثم انفرد وهيب في حديثه بأن قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: "فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة"، وقال الآخر:"وأما أنا فأهلّ بالحج"، فصح بمجموع الروايتين أنه أهلّ بالحج مفردًا.
فأرباب هذا القول عذرهم ظاهر كما ترى، ولكن ما عذرهم في حكمه وخبره الذي حكم به على نفسه، وأخبر عنها بقوله:"سُقتُ الهدي، وقَرَنتُ"، وخبر من هو تحت بطن ناقته، وأقرب إليه حينئذ من غيره، فهو من أصدق الناس يسمعه يقول:"لبيك بحجة وعمرة"، وخبر من هو من أعلم الناس عنه - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين يخبر أنه أهلّ بهما جميعًا، ولبى بهما جميعًا، وخبر زوجته حفصة في تقريره لها على أنه معتمز بعمرة، لم يحلّ منها، فلم ينكر ذلك عليها، بل صدّقها وأجابها بأنه مع ذلك حاجّ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يُقِرّ على باطل يسمعه أصلًا، بل ينكره؟
وما عذرهم عن خبره - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه بالوحي الذي جاءه من ربه، يأمر فيه أن يُهِلّ بحجة في عمرة؟
وما عذرهم عن خبر من أخبر عنه من أصحابه أنه قَرَنَ؛ لأنه علم أنه لا يحج بعدها، وخبر من أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتمر مع حجته؛ وليس مع من قال: إنه أفرد الحجّ شيء من ذلك البتة، فلم يقل أحد منهم عنه: إني أفردت، ولا أتاني آتٍ من ربي، يأمرني بالإفراد، ولا قال أحد: ما بال الناس حلُّوا، ولم تحلّ من حجتك كما حلّوا هم بعمرة، ولا قال أحد: سمعته يقول: لبيك بعمرة مفردة البتة، ولا بحج مفرد، ولا قال أحد: إنه اعتمر أربع عُمَر الرابعة بعد حجته، وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه يُخبر عن نفسه بأنه قارن، ولا سبيل إلى دفع ذلك، إلا بأن يقال: لم يسمعوه، ومعلوم قطعًا أن تطرُّق الوهم والغلط إلى من أخبر عما فهمه هو من فعله يظنه كذلك أولى من تطرّق التكذيب إلى من قال: سمعته يقول كذا وكذا، وإنه لم يسمعه، فإن هذا لا يتطرّق إليه إلا التكذيب، بخلاف خبر من أخبر عما ظنه من فعله، وكان واهمًا، فإنه لا يُنْسَب إلى الكذب، ولقد نزّه الله عليًّا وأنسًا والبراء وحفصة عن