أن يقولوا: سمعناه يقول كذا، ولم يسمعوه، ونزّهه ربه تبارك وتعالى أن يرسل إليه أن افعَلْ كذا وكذا، ولم يفعله، هذا من أمحل المحال، وأبطل الباطل، فكيف والذين ذكروا الإفراد عنه لم يخالفوا هؤلاء في مقصودهم، ولا ناقضوهم، وإنما أرادوا إفراد الأعمال، واقتصاره على عمل المفرد، فإنه ليس في عمله زيادة على عمل المفرد، ومن روى عنهم ما يوهم خلاف هذا، فإنه عَئر بحسب ما فهمه، كما سمع بكرُ بن عبد الله بنَ عمر يقول: أفرد الحجّ، فقال: لبى بالحج وحده، فحمله على المعنى، وقال سالم ابنه عنه ونافع مولاه: إنه تمتع، فبدأ فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، فهذا سالم يخبر بخلاف ما أخبر به بكر، ولا يصح تأويل هذا عنه بأنه فسره بقوله: وبدأ فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن حمل رواية بكر على أنه أراد لبّى بالحج بعد فراغه من العمرة حين توجهه إلى منى أولى من تخطئته، ولا يحصل مخالفة لرواية سالم ونافع، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
قال: وكذا الذين رووا الإفراد عن عائشة - رضي الله عنها - فهما عروة والقاسم، وروى القران عنها عروة، ومجاهد، وأبو الأسود يروي عن عروة الإفراد والزهريّ يروي عنه القران، فإن قدّرنا تساقط الروايتين، سلمت رواية مجاهد، وإن حُملت رواية الإفراد على أنه أفرد أعمال الحج تصادقت الروايات، وصدّق بعضها بعضًا، ولا ريب أن قول عائشة وابن عمر: أفرد الحج مُحْتَمِلٌ لثلاثة معان:
[أحدها]: الإهلال به مفردًا.
[الثاني]: إفراد أعماله.
[الثالث]: أنه حج حجة واحدة لم يحج معها غيرها، بخلاف العمرة، فإنها كانت أربع مرات.
وأما قولهما: تمتع بالعمرة إلى الحج، وبدأ فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ، فحكيا فعله، فهذا صريح لا يحتمل غير معنى واحد، فلا يجوز ردّه بالمجمل، وليس في رواية الأسود بن يزيد وعمرة عن عائشة أنه أهلّ بالحج ما يناقض رواية مجاهد وعروة عنها، أنه قرن، فإن القارن حاجّ مهلّ بالحج قطعًا،