وعمرته جزء من حجته، فمن أخبر عنها أنه أهل بالحجِّ فهو غير صادق، فإن ضمت رواية مجاهد إلى رواية عمرة والأسود، ثم ضمتا إلى رواية عروة تبيّن من مجموع الروايات أنه كان قارنًا، وصدّق بعضها بعضًا، حتى لو لم يحتمل قول عائشة وابن عمر إلا معنى الإهلال به مفردًا لوجب قطعًا أن يكون سبيله سبيل قول ابن عمر اعتمر في رجب، وقول عائشة أو عروة إنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في شوال، إلا أن تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة لا سبيل أصلًا إلى تكذيب رواتها، ولا تأويلها، وحملها على غير ما دلت عليه، ولا سبيل إلى تقديم هذه الرواية المجملة التي قد اضطرَبت على رواتها، واختُلِف عنهم فيها، وعارضهم من هو أوثق منهم، أو مثلهم عليها.
وأما قول جابر - رضي الله عنه -: إنه أفرد الحجّ، فالصريح من حديثه ليس فيه شيء من هذا، وإنما فيه إخبار عنهم أنفسِهِم أنهم لا ينوون إلا الحج، فأين في هذا ما يدلّ على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج مفردًا؟
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم قريبًا أن هذا لا ينافي رواية القران، فإنه إخباره بأنه - صلى الله عليه وسلم - لبّى بالحج مفردًا بعد انتهاء العمرة حينما توجّه يوم التروية إلى منى، فهذا أقرب المحمل وأظهره، فتأمّله، والله تعالى أعلم.
وأما حديثه الآخر الذي رواه ابن ماجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحجّ، فله ثلاث طرق: أجودها: طريق الدراورديّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وهذا يقينًا مختصر من حديثه الطويل في حجة الوداع، ومرويّ بالمعنى، والناس خالفوا الدراورديّ في ذلك، وقالوا: أهلّ بالحجّ، وأهلّ بالتوحيد.
والطريق الثاني: فيها مُطَرِّف بن مصعب، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن جعفر، ومطرّف قال ابن حزم: هو مجهول، قال ابن القيّم: ليس هو بمجهول، ولكنه ابن أخت مالك، روى عنه البخاريّ، وبشر بن موسى، وجماعة، قال أبو حاتم: صدوقٌ مضطرب الحديث، هو أحب إليَّ من إسماعيل بن أبي أويس، وقال ابن عديّ: يأتي بمناكير، وكأن أبا محمد بن حزم رأى في النسخة مطرف بن مصعب فجَهَّله، وإنما هو مطرّف أبو مصعب، وهو مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار.
وممن غلط في هذا أيضًا محمد بن عثمان الذهبيّ في كتابه "الضعفاء"،