كما ثبت في "الصحيح" عن ابن عمر أنه قَرَن، وقَدِم مكة فطاف بالبيت، وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك، ولم يحلق، ولا قصّر، ولا حلّ من شيء حرم منه، حتى يوم النحر، فنحر، وحلق رأسه، ورأى أنه قد قضى طواف الحجّ والعمرة بطوافه الأول، وقال: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومراده بطوافه الأول الذي قضى به حجه وعمرته الطواف بين الصفا والمروة، بلا ريب.
وذكر الدارقطنيّ عن عطاء، ونافع، عن ابن عمر، وجابر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما طاف لحجه وعمرته طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا، ثم قدم مكة، فلم يسع بينها بعد الصدر، فهذا يدلّ على أحد أمرين، ولا بد: إما أن يكون قارنًا، وهو الذي لا يمكن من أوجب على المتمتع سعيين أن يقول غيره، وإما أن المتمتع يكفيه سعي واحدٌ، ولكن الأحاديث التي تقدمت في بيان أنه كان قارنًا صريحة في ذلك، فلا يُعْدَل عنها.
[فإن قيل]: فقد روى شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف، عن عمران بن حصين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافين، وسعى سعيين، رواه الدارقطنيّ عن ابن صاعد، حدّثنا محمد بن يحيى الأزديّ، حدّثنا عبد الله بن داود، عن شعبة.
[قيل]: هذا خبر معلول، وهو غلطٌ، قال الدارقطنيّ: يقال: إن محمد بن يحيى حدّث بهذا من حفظه، فوَهِم في متنه، والصواب بهذا الإسناد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة، والله أعلم، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ما يدل على أن هذا الحديث غلط.
قال ابن القيّم: وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قُدامة إنما ذهب إلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعًا؛ لأن الإمام أحمد قد نصّ على أن التمتع أفضل من القران، ورأى أن الله سبحانه لم يكن ليختار لرسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا الأفضل، ورأى الأحاديث قد جاءت بأنه تمتع، ورأى أنها صريحة في أنه لم يحلّ، فأخذ من هذه المقدمات الأربع أنه تمتع تمتعًا خاصًّا لم يحلّ منه، ولكن أحمد لم يُرَجِّح التمتع؛ لكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حج متمتعًا، كيف وهو القائل: لا أشك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وإنما اختار التمتع؛ لكونه آخر الأمرين من