شهاب، عن عروة، عن عائشة:"أرسلني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن إلى التنعيم"، ورواية الأسود، عن عائشة الآتية:"قال: فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم"، وعند البخاريّ من وجه آخر عن الأسود والقاسم جميعًا عنها، بلفظ:"فاخرجي إلى التنعيم"، وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وكلُّ ذلك يفسر قوله في رواية القاسم عنها الآتية، حيث أورده بلفظ:"اخرج بأختك من الحرم".
وأما ما رواه أحمد من طريق ابن أبي مُليكة عنها في هذا الحديث:"قال: ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: احملها خلفك حتى تخرج من الحرم"، فوالله ما قال: فتخرجها إلى الجعرانة، ولا إلى التنعيم، فهي رواية ضعيفة؛ لضعف أبي عامر الخراز الراوي له عن ابن أبي مليكة.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون قوله: فوالثه إلخ من كلام مَن دون عائشة، قاله متمسكًا بإطلاق قوله:"فأخرجها من الحرم"، لكن الروايات المقيَّدة بالتنعيم مقدمة على المطلقة، فهو أولى، ولا سيما مع صحة أسانيدها، والله أعلم.
[فائدة]: زاد أبو داود في روايته بعد قوله: "إلى التنعيم": "فإذا هَبَطت بها من الأَكَمَة فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة"، وزاد أحمد في رواية له:"وذلك ليلة الصَّدَر"، وهو بفتح المهملة والدال؛ أي: الرجوع من منى.
وفي قوله:"فإذا هَبَطت بها" إشارة إلى المكان الذي أحرمت منه عائشة - رضي الله عنها -، وقد مرَّ تمام البحث في هذا في شرح الحديث الأول، فتنبّه.
وقولها:(فَأَرْدَفَنِي) فيه دليل على جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقةً، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بذلك، وفيه جواز إرداف الرجل المرأة من محارمه، والخلوة بها، وهذا مجمع عليه، قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
وقولها:(مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَمْسَكْتُ عَنْهَا) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دلالة ظاهرة على أنها لم تَخْرُج منها، وإنما أمسكت عن أعمالها، وأحرمت بالحج، فأدرجت أعمالها بالحج، كما سبق بيانه، وهو مؤيِّد للتأويل الذي قدمناه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ارفُضي عمرتك"، و"دَعِي عمرتك" أن المراد رفض إتمام أعمالها،