للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين، بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبةٌ، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات، بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره، فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال؛ لأنه الوسيلة إلى القيام بها، والتمكن من أدائها، وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن لفظ أفضل ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق، أو المراد: من أفضل الأعمال، فحذفت "من"، وهي مرادة.

وقال ابن دقيق العيد: الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان؛ لأنه من أعمال القلوب، فلا تعارض حينئذٍ بينه وبين حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أفضل الأعمال إيمان بالله … " الحديث.

وقال غيره: المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين؛ لأنه يتوقف على إذن الوالدين، فيكون برّهما مقدمًا عليه. انتهى (١).

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: "الأعمال" هنا لعلها محمولة على الأعمال البدنيّة، كما قال الفقهاء: أفضل عبادات البدن الصلاة، واحترزوا بذلك عن عبادة المال، وقد تقدّم لنا كلام في العمل، هل يتناول عمل القلب، أم لا؛، فإذا جعلناه مخصوصًا بأعمال البدن تبيّن من هذا الحديث أنه لم يُرد أعمال القلوب، فإن من عملها ما هو أفضل كالإيمان، وقد ورد في بعض الأحاديث (٢) ذكره مصرّحًا به - أعني الإيمان - فتبيّن بذلك الحديث أنه أريد بالأعمال ما يدخل فيه أعمال القلوب، وأريد بها في هذا الحديث ما يختصّ بعمل الجوارح. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ٢/ ١٣.
(٢) هو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدّم أول الباب، وهو متّفقٌ عليه.
(٣) "إحكام الأحكام" بنسخة الحاشية ٢/ ٧ - ٨.