وفيه أثر قدمين إلى الآن، وهو موضوع قُبالة البيت ({مُصَلًّى}) بالتنوين؛ أي: موضع صلاة الطواف.
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: الرواية هنا: {وَاتَّخِذُوا}، بكسر الخاء على الأمر، وهي قراءة الكوفيين، وأبي عمرو، وهي أمر، وعلى قراءة الفتح، وهي قراءة الباقين، هو خبر عن الملتزمين لاستقبال الكعبة.
واختُلِف في مقام إبراهيم عليه السلام ما هو؟ فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: هو مواقِفُه كلها، وقال الشعبيّ وعطاء: هو عَرَفة، والمزدلفة، والجمار، وقال مجاهد: الحرم، وقال جابر وقتادة: الحجر الذي قام عليه للبناء، فكان يرتفع به كلما ارتفع البناء، ويرفع هذا الخلاف، ويبيِّن المراد بالمقام قوله: فجعل المقام بينه وبين الكعبة؛ وهذا يدلّ على أنه هو الموضع المعروف هناك الذي يَستَقبِل بابَ البيت.
و ({مُصَلًّى}) أي: موضع صلاة ودعاء، وهاتان الركعتان هما المسنونتان للطُوَّاف، وهما سنتان مؤكدتان، يجب بتركهما دم عند مالك، ويدركهما ما لم يخرج من الحرم، فإن خرج ولم يركع، فهل يعيد الطواف لهما، أم لا؟ قولان، فإذا قلنا: لا يعيد الطواف لهما فقد وجب الدَّم، وكذلك إذا رجع إلى بلاده وجب الدَّم، وغير مالك لا يرى فيهما دمًا، ويركعهما متى ذكرهما. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (١).
زاد في رواية الترمذيّ، والنسائيّ:"فصلّى ركعتين"، وعند أحمد، وابن الجارود:"حتى إذا فرغ - أي: من الطواف - عَمَدَ إلى مقام إبراهيم، فصلّى خلفه ركعتين".
(فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ) أي: صلّى خلفه، وهذا بيان للأفضل، وإلا فيجوز أن يصلي الركعتين في أي موضع شاء.
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: هذا دليل لِما أَجْمَع عليه العلماء أنه ينبغي لكل طائف إذا فرغ من طوافه أن يصلي خلف المقام ركعتي الطواف، واختَلَفوا هل هما واجبتان، أم سنتان؟ وعندنا فيه خلاف حاصله: ثلاثة أقوال: أصحها