قال النوويّ رحمهُ اللهُ: فيه دلالة لمذهب الشافعيّ والجمهور: أن الذهاب من الصفا إلى المروة يُحسَب مرّةً، والرجوع إلى الصفا ثانيةً، والرجوع إلى المروة ثالثةً، وهكذا، فيكون ابتداء السبع من الصفا، وآخرها بالمروة، وقال ابن بنت الشافعيّ، وأبو بكر الصيرفيّ من أصحابنا: يُحْسَب الذهاب إلى المروة والرجوع إلى الصفا مرة واحدة، فيقع آخر السبع في الصفا، وهذا الحديث الصحيح يَرُدّ عليهما، وكذلك عمل المسلمين على تعاقب الأزمان. انتهى، وهو تعقّبٌ جيّدٌ، والله تعالى أعلم.
وقوله:(فَقَالَ) جواب "إذا"، زاد في رواية لأحمد، وابن الجارود:"يا أيها الناس" ("لَوْ أَنِّي استَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي) أي: لو علمت في قُبُلٍ من أمري (مَا اسْتَدْبَرْتُ) أي: ما علمته في دُبُرٍ منه، والمعنى: لو ظهر لي هذا الأمر الذي ظهر لي الآن وأمرتكم به في أول أمري، وابتداء خروجي (لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ) بضمّ السين المهملة؛ أي: ما جعلت عليّ هديًا، وأشعرته، وقلّدته، وسُقته بين يديّ، فإنه إذا ساق الهدي لا يتحلل حتى ينحره، ولا ينحره إلا يوم النحر، فلا يصحّ له فسخ الحجّ بعمل العمرة، بخلاف من لم يسق معه هديًا، فإنه يفسخ الحجّ، وهذا صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متمتّعًا.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت … إلخ" هذا يرُدّ على من قال: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أحرم متمتعًا، ويدل على أنه إنما أحرم بما أحرم به مختارًا له، وإنه خُيّر في أنواع الاحرام الثلاثة، ولم يُعَيّن له واحد منها؛ فأمر به، ولكنه اختار القران على ما تقدَّم، ثم إنه لما أمر أصحابه بالتحلل بعمل العمرة، فتوقفوا لأجل أنه لم يتحلل هو، أخبرهم بسبب امتناعه، وهو: سوقه الهدي، ثم أخبرهم: أنه ظهر له في ذلك الوقت ما لم يظهر له قبل ذلك من المصلحة التي اقتضت أن أباح لهم فسخ الحج، وأنه لو ظهر له من ذلك قبل إحرامه ما ظهر له بعده، لأحرم بعمرة حتى تطيب قلوبهم، وتسكن نفرتهم من إيقاع العمرة في أشهر الحج. انتهى (١).
وقال الخطّابيّ رحمهُ اللهُ: إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول لأصحابه؛