للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تطييبًا لقلوبهم، وذلك أنه كان يشقّ عليهم أن يحلّوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحرِم، ولم يُعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ويتركوا الاقتداء به، فقال عند ذلك القولَ؛ لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم إليه، قال: وقد يستدلّ بهذا الحديث من يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من الإفراد والقران.

قال الطيبيّ: ولعلّهم إنما شقّ عليهم؛ لإفضائهم إلى النساء قبل انقضاء المناسك، كما ورد في حديث جابر قالوا: "فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ"، وأشاروا إلى مذاكيرهم.

وقال البيضاويّ: إنما قال ذلك تأسيسًا للتمتّع، وتقريرًا لجواز العمرة في أشهر الحجّ، وإماطةً لما ألِفُوا من التحرّج عنها. انتهى (١).

(وَجَعَلْتُهَا) أي: الحجة (عُمْرَةً) أي: كنت متمتّعًا من أول الأمر من غير سوق الهدي، وقال القاري؛ أي: جعلت إحرامي بالحج مصروفًا إلى العمرة كما أمرتكم به موافقةً.

وقال ابن القيّم رحمهُ اللهُ في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت … إلخ": يعني أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة، ولم يسق الهدي؛ لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى، فصار خلفه، والذي استقبله هو الذي لم يفعله بعدُ، بل هو أمامه، فمقتضاه أنه لو كان كذلك لأحرم بالعمرة دون هدي.

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: في الحديث دليل على جواز قول "لو" في التأسّف على فوات أمر الدين، ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن "لو" تفتح عمل الشيطان، فمحمول على التأسّف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثُرت الأحاديث الصحيحة في استعمال "لو" في غير حظوظ الدنيا ونحوها، فيُجمَع بين الأحاديث بما ذكرناه، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ) الفاء جواب شرط محذوف؛ أي: إذا كان الأمر ما


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٩٦١ - ١٠٦٢.
(٢) "المرعاة" ٩/ ١١.