للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بجواز ذلك مطلقًا، وهم أهل الظاهر، وقد صرف هذا الظاهر الجمهور إلى: أن السؤال إنما كان عن فِعْل العمرة في أشهر الحج، فاجاب بذلك، وعلى هذا: فيكون معنى "دخلت العمرة في الحج"؛ أي: في أشهر الحج. وقيل: دخلت العمرة في الحج؛ أي: في حق القارن، والذي حملهم على هذه التأويلات ما تقدَّم من أن الأصل وجوب الإتمام لما دخل فيه من الحج والعمرة، وأن الصحابة قد قالوا: إن ذلك كان مخصوصًا بهم كما تقدَّم، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم أن ما دلّ عليه الظاهر من أن المراد فسخ الحج إلى العمرة، وأن ذلك ليس خاصًّا بالصحابة هو الحقّ؛ لظهور أدلّته، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى) "واحدةً" منصوب بعامل مضمر؛ أي: جاعلًا واحدةً من الأصابع في الأخرى، والحال مؤكّدة (وَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ) زاد في رواية أحمد، وابن الجارود: "إلى يوم القيامة" (مَرَّتَيْنِ) أي: قال ذلك مرّتين، وقوله: (لَا) أي: ليس لعامنا هذا فقط، قال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "لا" هو جواب عن السؤال، وهو مشكلٌ؛ لأن السؤال بـ "أم" المعادلة إنما يُتلقّى في الجواب بأحد المتعادلين المستويين على التعيين، فالوجه أن يُحمَل على التشديد، وأن يقدّر: ليس لعامك هذا، بل أبد أبد، وتكرير "أبد" ينصر ما ذكرنا من التشديد، كما إذا سأل سائل عن الأمر الثابت بـ "أم" المتّصلة، فيكون الردّ لإيراد أم في غير موقعه، وقد سبق مثله في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلّ ذلك لم يكن" جوابًا عن سؤال ذي اليدين: "أقُصِرت الصلاة، أو نسيت؟ ". انتهى (٢).

(بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ") بالتنوين مكرّرًا للتأكيد، أو بإضافة الأول إلى الثاني، وفي بعض النسخ: "لأبدِ الأبدِ"، والأبد: الدهر؛ أي: هذا لآخر الدهر، وزاد في رواية أحمد، وابن الجارود: "ثلاث مرّات"، يعني أن ذلك جائز في كلّ عام،


(١) "المفهم" ٣/ ٣٢٨ - ٣٢٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٩٦٢ - ١٩٦٣.