وإنما قصّروا مع أن الحلق أفضل؛ لأن يبقى لهم بقيّة من الشعر حتى يُحلق في الحجّ. انتهى، وليكونوا داخلين في المقصّرين والمحلّقين جامعين بين العمل بالرخصة والعزيمة، كذا في "المرقاة"، وقال المحبّ الطبريّ رحمهُ اللهُ: فيه دليلٌ على استحباب التقصير للمتمتّع، وتوفير الشعر للحلق في الحجّ، ويُشبه أن يكون ذلك عن أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ عنه يأخذون مناسكهم، وبه يقتدون، وبذلك أمرهم، فقال:"لتأخذوا عني مناسككم"، وقوله:(إِلَّا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) استثناء من "الناس"(وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) عطف على المستثنى (فَلَمَّا كَانَ) تامّة؛ أي: جاء (يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) بفتح التاء، وسكون الراء المهملة، وكسر الواو، وتخفيف الياء، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة سُمّي بذلك؛ لأن الحجاج كانوا يرتوون فيه من الماء؛ لبُعده؛ أي: يستقون، ويسقون إبلهم فيه استعدادًا للوقوف بعرفة؛ إذ لم يكن في عرفات ماء، وقيل: لأن قريشًا كانت تحمل الماء من مكة إلى منى للحجاج تسقيهم، وتُطعمهم، فيروون منه، وقيل: لأن الإمام يروي فيه للناس أمر مناسكهم، وقيل: لأن إبراهيم الخليل عليه السَّلام تَرَوَّى فيه؛ أي: تفكر في ذبح ولده، وأنه كيف يصنع؟ حتى جزم عزمه يوم العاشر بذبحه.
[فائدة]: للأيام الستّة من ذي الحجة أسماء على التوالي، فاليوم الثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم الْقَرّ - بفتح القاف، وتشديد الراء - لأنهم يستقرّون فيه بمنى، والثاني عشر يوم النَّفْر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني، والله تعالى أعلم (١).
(تَوَجَّهُوا) أي: أرادوا التوجّه (إِلَى مِنًى) يُنوّن، وقيل: لا يُنوّن، فيُكتب بالألف، سُمّيت به؛ لأنه يُمنى الدماء في أيامها؛ أي: يُراق، ويُسفك، أو لأنه يُعطى الحجاج مناهم بإكمال أفعال الحج فيها (فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ) أي: من البطحاء، كما في رواية لأحمد، والشيخين، والطحاويّ، والبيهقيّ، يعني أنه أحرم به من كان خرج عن إحرامه بعد الفراغ من العمرة، وفي رواية لأحمد:"حتى كان يوم التروية، وأرادوا التوجّه إلى منى أهلّوا بالحجّ".
وقال المحبّ الطبريّ: فيه بيان وقت إهلال أهل مكة، والمتمتّعين، وفيه