للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قريشًا كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام، وهو جبل في المزدلفة، يقال له: قُزَحُ، وقيل: إن المشعر الحرام كل المزدلفة، وهو بفتح الميم على المشهور، وبه جاء القرآن، وقيل: بكسرها، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة، ويَقِفون بعرفات، فظنّت قريش أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقف في المشعر الحرام على عادتهم، ولا يجاوزه، فتجاوز - صلى الله عليه وسلم - إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩]؛ أي: سائر العرب، غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة؛ لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله، فلا نخرج منه. انتهى (١).

(فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: جاوز المزدلفة، ولم يقف بها، بل توجّه إلى عرفات، يقال: جاز وأجاز بمعنى واحد، وقيل: جاز الموضع: سلكه، وسار فيه، وأجازه: خلّفه، وقطعه، قال الأصمعيّ: جاز: مشى فيه، وأجازه: قطعه. انتهى (٢).

(حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ) أي: قاربها؛ لأنه فسّره بقوله: "فوجد القبّة قد ضُربت بنمرة، فنزل بها"، وقد سبق أن نمرة ليس من عرفات، وقد قدّمنا أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جمعًا خلاف السنّة، قاله النوويّ رحمهُ اللهُ (٣).

وقال الطبريّ: الظاهر أن المراد بإتيان عرفة القرب منها، فإن نَمِرة دونها، وسُمِّيت عرفة بذلك لتعريف جبريل إبراهيم المناسك، وقيل: لمعرفة آدم حوّاء هناك، أو لتعارف الناس، أو لاعترافهم بذنوبهم، وقيل: إن إبراهيم؛ رأى ليلة التروية ذبح ولده، فتروّى يومه، وعرف في الثاني، ونحر في الثالث، فسُمّيت الأيام بذلك.

(فَوَجَدَ الْقُبَّةَ) أي: الخيمة (قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ) بالبناء للمفعول؛ أي: بُنيت لأجله (بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا) أي: بتلك القبّة، وفيه جواز استظلال المحرم بالخيمة ونحوها (حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ) "حتى" غاية لنزوله؛ أي: نزل بها، واستمرّ فيها إلى أن مالت الشمس، وزالت عن كَبِد السماء من جهة الشرق إلى جهة


(١) "شرح النوويّ" ٨/ ١٨١.
(٢) راجع: "اللسان" ٥/ ٣٢٦.
(٣) "شرح النوويّ" ٨/ ١٨١.