شيء من سلوكهم المنحرف قبل الحج، وذلك دليل عملي منهم على أن حجهم ليس كاملًا، إن لم نَقُلْ: ليس مقبولًا، ولذلك فإن على كل حاج أن يتذكر هذا، وأن يحرص جهد طاقته أن لا يقع فيما حرّم الله عليه من الفسق والمعاصي، فإن الله تبارك وتعالى يقول:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} الآية [البقرة: ١٩٧]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حج، فلم يرفُث، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، متّفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث فلهذا ميّز بينه وبين الفسوق، وأما سائر المحظورات، كاللباس، والطيب، فإنه وإن كان يأثم بها فلا تُفْسِد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين، وهو يشير في آخر كلامه إلى أن هناك من العلماء من يقول بفساد الحج بأي معصية يرتكبها الحاجّ، فمن هؤلاء الإمام ابن حزم - رحمه الله -، فإنه يقول:(وكلّ من تعمّد معصية أيّ معصية كانت، وهو ذاكر لحجه مذ أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة، ويرمي الجمرة فقد بطل حجه … ). واحتج بالآية السابقة، فراجعه في كتابه (المحلى)(٧/ ١٨٦) فإنه مهمّ.
ومما سبق يتبيّن أن المعصية من الحاجّ إما أن تُفسد عليه حجه على قول ابن حزم، وإما أن يأثم بها، ولكن هذا الإثم ليس كما لو صدر من غير الحاجّ، بل هو أخطر بكثير، فإن من آثاره أن لا يرجع من ذنوبه كما ولدته أمه كما صرح بذلك الحديث المتقدم.
فبذلك يكون كما لو خَسِرَ حجته؛ لأنه لم يحصل على الثمرة منها، وهي مغفرة الله تعالى، فالله المستعان.
قال: وإذا تبيّن هذا، فلا بدّ لي من أن أحذّر من بعض المعاصي التي يكثر ابتلاء الناس بها، ويحرمون بالحج، ولا يشعرون بأن عليهم الإقلاع عنها، وذلك لجهلهم، وغلبة الغفلة عليهم، وتقليدهم لآبائهم.
٢ - (فمنها): الشرك بالله - عز وجل -، فإن من أكبر المصائب التي أصيب بها بعض المسلمين جهلهم بحقيقة الشرك الذي هو من أكبر الكبائر، ومن صفته أنه يُحبط الأعمال، قال الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٥]، فقد