للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧]، فإن الجدال المنهيّ عنه في الحج هو كالفسق المنهيّ عنه في غير الحج أيضًا، وهو الجدال بالباطل، وهو غير الجدال المأمور به في آية الدعوة، قال ابن حزم - رحمه الله - (٧/ ١٩٦):

والجدال قسمان: قسم في واجب وحقّ، وقسم في باطل، فالذي في الحقّ واجب في الإحرام وغير الإحرام، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: ١٢٥]، ومن جادل في طلب حقّ له، فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى، وسعى في إظهار الحقّ والمنع من الباطل، وهكذا كل من جادل في حقّ لغيره، أو لله تعالى، والجدال بالباطل، وفي الباطل عمدًا ذاكرًا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج؛ لقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧].

وهذا كله على أن (الجدال) في الآية بمعنى المخاصمة والملاحاة، حتى تغضب صاحبك. وقد ذهب إلى هذا المعنى جماعة من السلف، وعزاه ابن قدامة في "المغني" (٣/ ٢٩٦) إلى الجمهور، ورجحه.

وهناك في تفسيره قول آخر: وهو المجادلة في وقت الحج، ومناسكه، واختاره ابن جرير، ثم ابن تيمية في "مجموعة الرسائل الكبرى" (٢/ ٣٦١)، وعلى هذا فالآية غير واردة فيما نحن فيه أصلًا، والله أعلم.

ومع ذلك فإنه ينبغي أن يلاحِظ الداعية أنه إذا تبيّن له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالفة له لتعصبه لرأيه، وأنه إذا صابره على الجدل فلربما ترتّب عليه ما لا يجوز، فمن الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان مُحِقًّا"، رواه أبو داود بسند حسن، عن أبي أمامة - رضي الله عنه -، وللترمذي نحوه من حديث أنس - رضي الله عنه -، وحسّنه، وفّقنا الله والمسلمين لمعرفة سنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واتِّباع هديه.

(المسألة الخامسة): في بيان أمور يتحرّج منها بعض الحجاج، وهي جائزة:

(اعلم): أن الشيخ الألبانيّ - رحمه الله - ذكر في "حجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - " أمورًا لا حرج على من فعلها من الحجّاج، أحببت إيرادها هنا؛ تتميمًا للفائدة، ونشرًا للعائدة: