فسخ الحج في العمرة، فإنه على خلاف الإتمام الذي أمر الله تعالى به، وفيه بُعدٌ، والأظهر القول الثاني، وعليه فخلافهما إنما كان في الأفضل، فعثمان -رضي الله عنه- كان يعتقد أن إفراد الحج أفضل، وعلي -رضي الله عنه- كان يعتقد أن التمتع أفضل؛ إذ الأمة مجمعة على أن كل واحد منهما جائز، وعليه فقوله:"ولكنَّا كنَّا خائفين" أي من أن يكون أجر مَن أفرد أعظم من أجر من تمتع منهم، فالخوف من التمتع، ولما ظنَّ عليّ أن ذلك يُتَلَقَّى من عثمان، ويُقْتَدَى به، فيؤدي ذلك إلى ترك التمتع والقِران أَهَلَّ بالقران؛ ليبيّن أن كل واحد منهما مُسَوَّغٌ، أو لأنهما عنده أفضل من الإفراد، من حيث إن كل واحدة منهما في عملين، والمفرد في عمل واحد، والله تعالى أعلم. انتهى.
وهذا الذي ظهر لعثمان -رضي الله عنه- هو الذي كان ظهر لعمر -رضي الله عنه- من قبله، كما قال عمران بن حصين -رضي الله عنهما-، فإنه ظهر من استدلال عمر -بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جَمَع بين حج وعُمْرة- أنَّ الذي منعه عمر هو ما عدا الإفراد، وهذا منه محمول على أنَّه كان يعتقد أن الإفراد أفضل من التمتع والقِرَان، وكان عمران يعتقد أن الإفراد أفضل، ولذلك قال:"قال رجل برأيه ما شاء" يعني به عمر، بعد أن روى أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قرن، وليست هذه المتعة التي منعها عمر هنا هي التي منعها هو في حديث ابن الزبير، بل تلك فَسخ الحج في العمرة، كما تقدَّم.
وعلى الجملة: فأحاديث هذا الباب كثيرة الاختلاف والاضطراب، وما ذكرناه أشبهُ بالصواب. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
وفي رواية النسائيّ:"أن عثمان نهى عن المتعة، وأن يجمع الرجل بين الحجّ والعمرة"، قال في "الفتح": قوله: "وأن يجمع بينهما" يَحْتَمِل أن تكون الواو عاطفة، فيكون نهى عن التمتّع والقران معًا، ويَحْتَمِل أن يكون عطفًا تفسيريًّا، وهو على ما تقدّم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتّعًا، ووجهه أن القارن يتمتّع بترك النَّصَبِ بالسفر مرّتين، فيكون المراد أن يجمع بينهما قرانًا، أو إيقاعًا لهما في سنة واحدة بتقديم العمرةَ على الحجّ.