للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَحْتَمِل أن يكون عثمان أشار إلى أن الأصل في اختياره -صلى الله عليه وسلم- فسخ الحجّ إلى العمرة في حجة الوداع دفع اعتقاد قريش منع العمرة في أشهر الحجّ، وكان ابتداء ذلك بالحديبية؛ لأن إحرامهم بالعمرة كان في ذي القعدة، وهو من أشهر الحجّ، وهناك يصحّ إطلاق كونهم خائفين؛ أي من وقوع القتال بينهم وبين المشركين، وكان المشركون صدّوهم عن الوصول إلى البيت، فتحلّلوا من عمرتهم، وكانت أول عمرة وقعت في أشهر الحجّ، ثم جاءت عمرة القضيّة في ذي القعدة أيضًا، ثم أراد -صلى الله عليه وسلم- تأكيد ذلك بالمبالغة فيه، حتى أمرهم بفسخ الحجّ إلى العمرة. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ أن التمتّع الذي كان ينهى عنه عثمان -رضي الله عنه- هو التمتّع المعروف، وهو أن يأتي بالعمرة من الميقات في أشهر الحجّ، ثم يحج، فقد صرّح بذلك في رواية أحمد في "مسنده"، ولفظه: حدثنا يحيى (٢)، عن ابن حرملة (٣)، قال: سمعت سعيدًا؛ يعني ابن المسيِّب، قال: خرج عثمان -رضي الله عنه- حاجًّا، حتى إذا كان ببعض الطريق، قيل لعليّ -رضي الله عنه-: إنه قد نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عليّ -رضي الله عنه- لأصحابه: إذا ارتحل فارتحلوا، فأهلّ علي وأصحابه بعمرة، فلم يكلمه عثمان -رضي الله عنه- في ذلك، فقال له عليّ -رضي الله عنه-: ألم أُخْبَر أنك نَهَيت عن التمتع بالعمرة، قال: فقال: بلى، قال: فلم تسمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تمتع؟ قال: بلى (٤).

وفي رواية له عن سعيد بن المسيِّب قال: حج عثمان حتى إذا كان في بعض الطريق أُخْبِر عليّ أن عثمان نهى أصحابه عن التمتع بالعمرة إلى الحجّ، فقال عليّ لأصحابه: إذا راح فروحوا، فأهلّ علي وأصحابه بعمرة، فلم يكلمهم عثمان، فقال عليّ -رضي الله عنه-: ألم أُخْبَر أنك نهيت عن التمتع؟ ألم يتمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فما أدري ما أجابه عثمان -رضي الله عنه- (٥).


(١) راجع: "الفتح" ٤/ ٤٦٠ - ٤٦١.
(٢) يحيى هو القطّان.
(٣) هو عبد الرحمن بن حرملة الأسلميّ المدنيّ.
(٤) "مسند الإمام أحمد بن حنبل" ١/ ٥٧.
(٥) "مسند الإمام أحمد بن حنبل" ١/ ٦٠.