للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون"، رواه مسلم. انتهى (١).

وقال الإمام البخاريّ رحمه الله في "كتاب الطبّ" من "صحيحه": "باب من اكتوى، أو كَوَى غيره، وفَضْلِ من لم يَكْتَوِ"، قال في "الفتح": كأنه أراد أن الكيّ جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين، وأنه إذا جاز كان أعمّ من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه، أو بغيره لنفسه، أو لغيره، وعموم الجواز مأخوذ من نسبة الشفاء إليه في أول حديثي الباب؛ يعني قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيّة نار وفضل تركه من قوله: "وما أُحِبّ أن أكتوي"، وقد أخرج مسلم من طريق أبي الزبير، عن جابر، قال: رُمِي سعد بن معاذ على أكحله، فحسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن طريق أبي سفيان، عن جابر: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى أبيّ بن كعب طبيبًا، فقطع منه عِرْقًا، ثم كواه، وروى الطحاويّ، وصححه الحاكم، عن أنس، قال: كواني أبو طلحة في زمن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأصله في البخاريّ، وأنه كُوي من ذات الجنب، وعند الترمذيّ، عن أنس: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كَوَى أسعد بن زُرَارة من الشَّوْكة، ولمسلم عن عمران بن حصين: "كان يسلم عليّ حتى أكتويتُ، فتُركت، ثم تركت الكيّ، فعاد"، وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، عن عمران: نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكيّ، فاكتوينا، فما أفلحنا، ولا أنجحنا، وفي لفظ: فلم يُفْلِحنَ، ولم يَنجحن، وسنده قويّ.

والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى؛ لما يقتضيه مجموع الأحاديث، وقيل: إنه خاصّ بعمران؛ لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خَطِرًا، فنهاه عن كَيِّه، فلما اشتَدّ عليه كواه، فلم ينجح.

وقال ابن قتيبة: الكيّ نوعان: كَيُّ الصحيح؛ لئلا يَعْتَلَ فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى؛ لأنه يريد أن يدفع القدر، والقدر لا يدافع.

والثاني: كيُّ الجرح إذا نَغَلَ: أي فَسَدَ، والعضو إذا قُطِع فهو الذي يُشْرَع التداوي به، فإن كان الكي لأمر مُحْتَمِلٍ فهو خلاف الأولى؛ لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقَّق.


(١) "المجموع" ٦/ ١٦٣.