وإنما المشكل هنا قوله:"بدأ، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ"؛ لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقرّ كما تقدّم على أنه بدأ أوّلًا بالحجّ، ثم أدخل عليه العمرة، وهذا بالعكس.
وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال؛ أي: لما أدخل العمرة على الحجّ لبّى بهما، فقال:"لبيك بعمرة، وحجة معًا".
وهذا مطابق لحديث أنس -رضي الله عنه- المتقدّم، لكن قد أنكر ابن عمر بذلك على أنس، فَيَحْتَمِل أن يُحْمَل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بينهما؛ أي في ابتداء الأمر، ويُعيّن هذا التأويل قوله في نفس الحديث:"وتمتّع الناس إلخ"، فإن الذين تمتّعوا إنما بدؤوا بالحجّ، لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلّوا بعد ذلك بمكة، ثم حجّوا من عامهم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١).
وقال السنديّ رحمه الله: اعلم: أن التمتّع عند الصحابة كان شاملًا للقران أيضًا، وإطلاقه على ما يقابل القران اصطلاح حادث، وقد جاء أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان قارنًا، فالوجه أن يراد بالتمتع هاهنا في شأنه -صلى الله عليه وسلم- القران؛ توفيقًا بين الأحاديث، والمعنى: انتفع بالعمرة إلى أن حجّ، مع الجمع بينهما في الإحرام، ومعنى قوله:"بدأ بالعمرة" أنه قدّم العمرة ذكرًا في التلبية، فقال:"لبيك عمرةً وحجًّا". انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله السنديّ رحمه الله تحقيق نفيس جدًّا، وهو خلاصة ما تقدّم في كلام العلماء الذين ذكرنا قولهم آنفًا، والله تعالى أعلم.
(فِي حَجَّةِ الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) أي بإدخال العمرة على الحجّ، حيث بدأ بالحجّ، ثم أَدخل عليه العمرة، فصار قارنًا، ف "إلى" بمعنى "على"(وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ) من عطف البيان على المبيّن (مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت، ومن الأماكن البعيدة. قال الحافظ رحمه الله: وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس. انتهى.