للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لفظ التمتع، بل قد قال ابن عمر في هذا الحديث: إنه -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ، ولم يقل: إنه حلَّ من عمرته، بل قال في آخر الحديث بعد أن فرغ من طواف القدوم، أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يَحلُل من شيء حَرُمَ عليه حتى قضى حجّه، وهذا نصّ في أنه لم يكن متمتّعًا، فتعيّن تأويل قوله: تمتّع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَيَحْتَمِل أن يكون معناه: قَرَنَ؛ لأن القارن يترفّه بإسقاط أحد العملين، وهذا الذي يدلّ عليه قوله بعد هذا، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ.

وَيحْتَمِل أن يكون معناه أنه -صلى الله عليه وسلم- لَمّا أَذِن في التمتّع أضافه إليه، وفيه بُعدٌ. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

وقال في "الفتح": قوله: "تمتّع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ". قال المهلّب: معناه أَمر بذلك؛ لأنه كان ينكر على أنس قوله: إنه قرن، ويقول: بل كان مفردًا، وأما قوله: "وبدأ فأهلّ بالعمرة"، فمعناه أمرهم بالتمتع، وهو أن يُهلّوا بالعمرة أوّلًا، ويقدّموها قبل الحجّ، قال: ولا بدّ من هذا التأويل؛ لدفع التناقض عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.

قال الحافظ: لم يتعيّن هذا التأويل المتعسّف، وقد قال ابن المنيّر في "الحاشية": إنّ حَمْلَ قوله: "تمتع" على معنى أَمَرَ من أبعد التأويلات، والاستشهاد عليه بقوله: "رجم"، وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات؛ لأن الرجم من وظيفة الإمام، والذي يتولّاه إنما يتولّاه نيابة عنه، وأما أعمال الحجّ، من إفراد، وقران، وتمتّع، فإنه وظيفة كلّ أحد عن نفسه، ثم أجاز تأويلًا آخر، وهو أن الراوي عَهِد أنّ الناس لا يفعلون إلا كفعله، لا سيما مع قوله: "خذوا عني مناسككم"، فلما تحقّق أن الناس تمتّعوا ظنّ أنه -صلى الله عليه وسلم- تمتّع، فأطلق ذلك.

قال الحافظ: ولم يتعيّن هذا أيضًا، بل يَحْتَمِل أن يكون معنى قوله: "تمتع " محمولاً على مدلوله اللغويّ، وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة، والخروج إلى ميقاتها، وغيرها، بل قال النوويّ: إن هذا هو المتعيّن، قال: وقوله: "بالعمرة إلى الحجّ"؛ أي بإدخال العمرة على الحجّ، وقد قدّمنا في "باب التمتّع والقران" تقرير هذا التأويل.


(١) "المفهم" ٣/ ٣٥٢.