للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ: النّدّ: المثلُ، رَوَى شمر عن الأخفش، قال: الندّ: الضدّ والشِّبْهُ، وفلان نِدّ فلان، ونَدِيده، ونَدِيدته: أي مثله. انتهى (١).

(وَهُوَ خَلَقَكَ) جملة في محلّ نصب على الحال، أي: والحال أن الله تعالى هو الذي خلقك وحده، دون أن يشاركه في ذلك أحدٌ، حتى يُشْرَك في العبادة.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: هو نحو قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٢]، ومعناه: أن اتّخاذ الإنسان إلهًا غير خالقه المنعم عليه، مع علمه بأن ذلك المتَّخَذ ليس هو الذي خلقه، ولا الذي أنعم عليه، من أقبح القبائح، وأعظم الجهالات، وعلى هذا، فذلك أكبر الكبائر، وأعظم العظائم. انتهى (٢).

(قَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه - (قُلْتُ لَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (إِن ذَلِكَ لَعَظِيمٌ) أي إن هذا الذَّنْب، وهو جعل النّدّ لله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لذنبٌ عظيم، لا ذنب فوقه. (قَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه - (قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟) أي: ثمّ أيُّ شيء يكون أعظم ذنبًا عند الله تعالى بعد جعل الندّ له؟، وتقدّم أن الأولى عدم تنوينه؛ لأنه مضاف لفظًا إلى محذوف، والتقدير: ثم أيُّ ذنب أعظم؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ؛ مَخَافَةَ)، وفي رواية للبخاريّ: "خشية … " (أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ") أي لأجل خوفك أن يُشاركك في طعامك، وقال في "الفتح": أي من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي، أو من جهة البخل مع الوجدان. انتهى (٣).

وخصّ الطعام بالذكر؛ لأنه كان الأغلب من حال العرب، وكذا تقييده بخشية الأكل معه؛ لكون عادتهم أنهم يقتلون أولادهم لخشيتهم ذلك (٤).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذا من أعظم الذنوب؛ لأنه قتل نفس محرَّمة شرعًا، محبوبة طبعًا، مرحومة عادةً، فإذا قتلها أبوها كان ذلك دليلًا على غلبة الجهل والبخل، وغِلَظ الطبع والقسوة، وأنه قد انتهى من ذلك كلّه


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٨٠.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٨٠.
(٣) "فتح" ٨/ ٣٥٢ "كتاب التفسير" رقم (٤٧٦٥).
(٤) راجع: "عمدة القاري" ١٩/ ١٣٥.