للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى الغاية القصوي، وهذا نحو قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} الآية [الأنعام: ١٥١]، أي فقر، وهو خطاب لمن كان فقره حاصلًا في الحال، فيُخفِّف عنه بقتل ولده مؤنته من طعامه ولوازمه، وهذه الآية بخلاف الآية الأخرى التي قال فيها: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: ٣١]، فإنه خطاب لمن كان واجدًا لما يُنفق عليه في الحال، غير أنه يقتله مخافة الفقر في ثاني الحال، وكان بعض جُفاة الأعراب وجُهَّالهم ربما يفعلون ذلك، وقد قيل: إن الأولاد في هاتين الآتين هم البنات، كانوا يَدفنونهنّ أحياءً أَنَفَةً وكِبْرًا، ومخافةَ العيلة والْمَعَرّة، وهي الموؤودة التي ذكر الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)} [التكوير: ٨، ٩].

والحاصل أن أهل الجاهليّة كانوا يصنعون كلّ ذلك، فنهى الله تعالى عن ذلك، وعظّم الإثم فيه، والمعاقبة عليه، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك من أعظم الكبائر. انتهى (١).

(قَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه - (قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ") بفتح الحاء المهملة بوزن عظيمة، أي التي يحل له وطؤها، وقيل: التي تُحلّ معه في فِراش واحد، وقال في "الفتح": هي مأخوذة من الحِلّ؛ لأنَّها تحلّ له، فهي فَعِيلة بمعنى فاعلة، وقيل: من الحلول؛ لأنَّها تحلّ معه، ويحلّ معها.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: "الحليلة": هي التي يحلُّ وطؤها بالنكاح، أو التسرّي.

و"الجار": هو المجاور في المسكن، والداخلُ في جوار العهد، و"تُزاني": أي تحاول الزني، يقال: المرأة تُزاني مُزاناةً، مِن زَني، والزنى وإن كان من أكبر الكبائر والفواحش، لكنه بحليلة الجار أفحش، وأقبح؛ لما يَنضمّ إليه من خيانة الجار، وهَتْك ما عظّم الله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من حرمته، وشدّة قبح ذلك شرعًا وعادةً، فلقد كان الجاهليّة يتمدّحون بصون حرائم الجار، ويغُضّون دونهم الأبصار، كما قال عنترة [من الكامل]:


(١) "المفهم" ١/ ٢٨٠ - ٢٨١.