للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أوجبتُ حجًّا مع عمرتي"؛ يعني أنه أدخل الحجّ على عمرته المتقدّمة، فصار قارنًا، وفيه حجة على جواز إدخال الحجٍ على العمرة، وهو مذهب الجمهور (فَخَرَجَ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعًا، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْو سَبْعًا) أي سعى بينهما (لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَرَأَى أنهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ) وفي رواية الليث: "ورَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ". قال القرطبيّ رحمه الله: يعني الطواف بين الصفا والمروة، وأما الطواف بالبيت، فلا يصحّ أن يقال فيه: إنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة؛ لأنه هو الركن الذي لا بدّ منه للمفرد، والقارن، ولا قائل بان طواف القدوم يُجزئ عن طواف الإفاضة بوجه. انتهى (١).

وقال ابن عبد البرّ: فيه حجة لمالك في قوله: إن طواف القدوم إذا وُصل بالسعي يُجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلاً، أو نسيه، حتى رجع إلى بلده، وعليه الهدي، قال: ولا أعلم أحدًا قاله غيره، وغير أصحابه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الصواب ما قاله القرطبيّ رحمه الله، من أن المراد بالطواف السعي، لا الطواف بالبيت، فإنه لا يكفي الطواف الأول عن الإفاضة، بدليل حديث جابر -رضي الله عنه- الصحيح، قال: "لم يطف النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، طوافه الأول". فإن هذا صريح في كون المراد بالطواف الأول في حديث ابن عمر المذكور هنا هو السعي بين الصفا والمروة، لا الطواف بالبيت، فإن جابرًا، وغيره قد نصّوا على أنه -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه أفاضوا يوم النحر، والله تعالى أعلم بالصواب.

وأما ما أطال به السنديّ نفَسَه، فلا أرى لنقله هنا وَجْهًا؛ لأن ما سبق يغني عنه، وأما استبعاده إطلاق الطواف على السعي، فعجيب منه، فإن هذا الحديث نفسه يُبطل ذلك، فإنه قال: "فطاف بالبيت، وبالصفا والمروة"، وما أكثر مثل هذه العبارة في الأحاديث الصحيحة، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقوله: (وَأَهْدَى) وفي الرواية التالية: "فانطلق حتى ابتاع بقديد هديًا". وفي رواية البخاريّ: "وأهدى هديًا اشتراه بقُديد"، بضم القاف مصغّرًا: موضع


(١) "المفهم "٣٥٨، ٣/ ٣٥٧.
(٢) راجع: "الاستذكار" ١٢/ ٨٥.