للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ) بالمدّة المفازة، والجمع بِيدٌ بالكسر، وقال ابن الأثير رحمه الله: البيداء: المفازة التي لا شيء بها، وهي هنا اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة. انتهى (١).

وفي رواية جويرية: "ثم سار ساعة، ثم قال: إنما شأنهما واحد … "، قال الحافظ: وهو يؤيّد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، وقال أيضًا: ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد عرفت آنفًا أن الاحتمال الثاني لا يصحّ، فتبصّر.

(الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ) أي فيما يتعلّق بالإحصار، والإحلال، وقال القرطبيّ رحمه الله: أي في حكم الصدّ؛ يعني أنه من صُدّ عن البيت بعدوّ، فله أن يحلّ من إحرامه، سواء كان محرمًا بحجّ، أو عمرة، وإن كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما صُدّ عن عمرة؛ لكن لما كان الإحرام بالحجّ مساوياً للإحرام بالعمرة في الحكم حمله عليه. انتهى.

وقال النوويّ رحمه الله: فيه صحة القياس، والعمل به، وأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يستعملونه، فلهذا قاس الحجّ على العمرة؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما تحلّل من الإحصار بعمرة عام الحديبية من إحرامه بعمرة وحدها. انتهى (٢).

قال الحافظ وليّ الدين رحمه الله: ما ذكره في معنى كلام ابن عمر لا يتعيّن، فقد يكون معناه: ما أمرهما إلا واحد في إمكان الإحصار عن كلّ منهما، فكأنه كان أولًا رأى الإحصار عن الحجّ أقرب من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحجّ، وكثرة أعماله، بخلاف العمرة، ويدلّ لهذا قوله في رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع بعد قوله: "ما أمرهما إلا واحد": "إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحجّ"، وهو في "الصحيح". انتهى (٣).

(أُشْهِدُكمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ) وفي رواية الليث الآتية: "قد


(١) "النهاية" ١/ ١٧١.
(٢) "شرح النوويّ " ٨/ ٢١٣.
(٣) "طرح التثريب" ٥/ ١٦٢.