النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعمرة في العام الذي أُحصر، قال: ويَحْتَمِل أنه أراد الأمرين، قال: وهو الأظهر، وليس بظاهر كما ادعاه، بل الصحيح الذي يقتضيه سياق كلامه ما قدّمناه. انتهى كلام النوويّ رحمه الله.
وفي رواية جويرية:"فقال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحال كفّار قريش دون البيت، فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هديه، وحلق رأسه، وأُشهدكم أني قد أوجبت العمرة إن شاء الله، أنطلق، فإن خُلّي بيني وبين البيت طُفت، وإن حِيل بيني وبين البيت فعلت ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا معه … ".
(فَخَرَجَ) أي من المدينة (فَأَهَلَّ بِعُمْرةٍ) أي من ذي الحليفة، وفي الرواية التالية:"أشهدكم أني قد أوجبت عمرةً"، ومعناه: قد ألزمت نفسي ذلك، والإيجاب هنا معناه الإلزام، وإنما قال ذلك لتعليم من أراد الاقتداء به، فإن الإشهاد في مثل هذا لا يحتاج إليه، ولا التلفظ بذلك، والنية كافية في صحة الإحرام، قاله وليّ الدين رحمه الله.
وفي رواية جويرية عند البخاريّ:"فأهلّ بالعمرة من ذي الحليفة"، وفي رواية أيوب:"فأهل بالعمرة من الدار"، والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ويَحْتَمِل أن يُحمَل على الدار التي بالمدينة، ويُجمَع بأنه أهلّ بالعمرة من داخل بيته، ثم أعلن بها، وأظهرها بعد أن استقرّ بذي الحليفة، قاله في "الفتح".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال الثاني ضعيف، بل باطل؛ لأن رواية النسائيّ من طريق أيوب السختيانيّ، وأيوب بن موسى، وعبيد الله كلهم، عن نافع، مصرّحة بما يرّده، ولفظه:"قال: خرج عبد الله بن عمر، فلما أتى ذا الحليفة، أهلّ بالعمرة، فسار قليلًا … "، فظهر بهذا أن الاحتمال الذي ذكروه في تفسير الدار بداره في المدينة غير صحيح، بل الصواب أنه المنزل الذي نزله بذي الحليفة.
ومن المعروف أن ابن عمر -رضي الله عنهما- معروف بشدة اتباعه للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلا يمكن أن يخالفه في الإحرام قبل الميقات الذي حدّده النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا، وقد قدّمنا أن الأرجح أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات، فالمعنى الأول هو المتعيّن هنا. فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم.