تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} الآية [البقرة: ٢٧٣]، فهذا هو منع العدوّ بلا شكّ؛ لأن المهاجرين إنما منعهم من الضرب في الأرض الكفار بلا شكّ، وبيّن ذلك تعالى بقوله:{فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فصحّ أن الإحصار، والحصر بمعنى واحد، وأنهما اسمان يقعان على كلّ مانع، من عدوّ، أو مرض، أو غير ذلك؛ أيّ شيء كان. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قرره الإمام ابن حزم رحمه الله تحقيق حسن جدًّا، وخلاصته أن الإحصار يكون بالعدوّ، والمرض، وغير ذلك مما يمنع إتمام النسك؛ لعموم الأدلّة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): اتفقوا على أن من أحصره العدوّ؛ أي منعه عن المضيّ في نسكه، سواء كان حجًّا أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك، وينحر هديًا، ويحلق رأسه، أو يقصّر، وهذا مجمع عليه في الجملة، حكاه ابن المنذر عن كلّ من يحفظ عنه من أهل العلم، وبه قال الأئمة الأربعة، وإن اختلفوا في تفاصيل، وتفاريع، سنذكرها في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): هل يشترط في جواز التحلل ضيق الوقت بحيث ييأس من إتمام نسكه إن لم يتحلّل أو لا يشترط ذلك، بل له التحلّل مع اتساع الوقت؟ لم يشترط الشافعية ذلك، وهو الذي يدلّ عليه فعله -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية، فإن إحرامه إنما كان بعمرة، وهي لا يخشى فواتها، وقال المالكية: متى رَجَى زوال الحصر لم يتحلّل حتى يبقى بينه وبين الحج من الزمان ما لا يدرك فيه الحج، أَبُو زال حصره، فيحلّ حينئذ عند ابن القاسم، وابن الماجشون، وقال أشهب: لا يحلّ إلى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الشافعية هو الأرجح عندي؛ لأنه يؤيّده فعله -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية، حيث تحلل مع أن وقت العمرة متسع لا يفوت، فلم ينتظر وقتاً يتمكن فيه من الأداء، بل تحلل بمجرد تحقق الإحصار له، وهو الموافق لتيسير الشارع الحكيم، وأما القول بالانتظار حتى ييأس، ففيه