قال في "الفتح": وحديث ابن عباس هذا حجة لأبي عبيدة.
قال العلماء: المراد بجعلهم المحرّم صفرًا الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، فكانوا يسمون المحرّم صفرًا، ويُحلّونه، ويؤخّرون تحريم المحرّم إلى نفس صفر؛ لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرّمة، فيضيق عليهم فيها ما اعتادوه من المقاتلة، والغارة بعضهم على بعض، فضلّلهم الله في ذلك، فقال:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآية [التوبة: ٣٧].
وقال القرطبيّ: قوله: "ويجعلون المحرم صَفَر" أي يسمونه به، وينسبون تحريمه إليه؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهُر حُرُم، فتضيق عليهم بذلك أحوالهم. وحاصله أنهم كانوا يُحلّون من الأشهر الْحُرُم ما احتاجوا إليه، ويُحرّمون فكان ذلك غيره، وكان الذين يفعلون ذلك يُسمَّون النَّسَأَة، وكانوا أشرافَهُم، وفي ذلك يقول شاعرهم [من الوافر]:
فردّ الله كلّ ذلك بقوله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآية [التوبة: ٣٧].
وقال في "الفتح" في "سورة التوبة"، عند شرح حديث:"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات، والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان" ما حاصله: وفيه إشارة إلى إبطال ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، من تأخير الأشهر الحرم، فقيل: كانوا يجعلون المحرم صفرًا، ويجعلون صفرًا المحرّم؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر، لا يتعاطون فيها القتال، فلذلك قال:"متواليات"، وكانوا في الجاهلية على أنحاء: منهم من يسمي المحرم صفرًا، فيُحلّ فيه القتال، ويحرم القتال في صفر، وشمميه المحرم، ومنهم من يجعل ذلك سنة هكذا، وسنة هكذا، ومنهم من يجعله سنتين هكذا، وسنتين هكذا، ومنهم من يؤخّر صفرًا إلى ربيع الأول، وربيعًا إلى ما يليه، وهكذا، إلى أن يصير شوال ذا القعدة، وذو القعدة ذا الحجة، ثم يعود، فيعيد العدد على الأصل.
وقال أيضًا: قوله: "ورجب مضر" أضافه إليهم لأنهم كانوا متمسكين