بتعظيمه، بخلاف غيرهم، فيقال: إن ربيعة كانوا يجعلون بدله رمضان، وكان من العرب من يجعل في رجب وشعبان ما ذكره في المحرم وصفر، فيحلّلون رجبًا، ويحرّمون شعبان، ووصفه بكونه بين جمادى وشعبان تأكيدًا، وكان أهل الجاهليّة قد نسئوا بعض الأشهر الحرم؛ أي أخّروها، فيحلون شهرًا حرامًا، ويحرّمون مكانه آخر بدله حتى رُفض تخصيص الأربعة بالتحريم أحيانًا، ووقع تحريم أربعة مطلقة من السنة.
فمعنى الحديث: أن الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه، وبطل النسيء.
وقال الخطابيّ: كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل، والتحريم، والتقديم، والتأخير لأسباب تعرِض لهم، منها استعجال الحرب، فيستحلون الشهر الحرام، ثم يحرمون بدله شهرًا غيره، فتتحوّل في ذلك شهور السنة، وتتبدّل، فإذا أتى على ذلك عدة من السنين استدار الزمان، وعاد الأمر إلى أصله، فاتفق وقوع حجة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك. انتهى (١).
[فائدة]: قال الكلبيّ: أول من نسأ القلمس، واسمه حذيفة بن عبيد الكنانيّ، ثم ابنه عباد، ثم ابنه قلع بن عباد، ثم أمية بن قلع، ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن أمية، وعليه قام الإسلام، وقيل: أول من نسأ نعيم بن ثعلبة، ثم جنادة، وهو الذي أدركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: مالك بن كنانة. وقيل: عمرو بن طيّء.
وقال ابن دريد: الصفران شهران من السنة، سمي أحدهما في الإسلام المحرم.
وفي "المحكم": قال بعضهم: سمي صفرًا؛ لأنهم كانوا يمتارون الطعام فيه من المواضع، وقال بعضهم: سمي بذلك لإصفار مكة من أهلها إذا سافروا، ورَوَى رؤبة أنه قال: سموا الشهر صفرًا لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل، فيتركون مَن لَقُوا صفرًا من المتاع، وذلك إذا كان صفر بعد المحرم، فقالوا: صفر الناس منا صفرًا، فإذا جمعوه مع المحرّم قالوا: صفران، والجمع أصفار، وقال القزّاز: إنما سموا الشهر صفرًا؛ لأنهم كانوا يُخلون البيوت فيه
(١) "الفتح" ٩/ ٢٢٠ - ٢٢٢، كتاب التفسير، سورة التوبة.