(عَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -) أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا) أي بأدائها، والفَراغ من أعمالها (فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ، فَلْيَحِلَّ) بفتح أوله، من الحلّ ثلاثيًّا، أو بضمّه، من الإحلال رباعيًّا، كما تقدّم غير مرّة، وقوله:(الْحِلَّ) منصوب على المصدر، وقوله:(كُلَّهُ) بالنصب توكيد لـ"الحلَّ"، أي الحلّ التامّ، والمعنى أنه يفعل جميع ما كان حرامًا عليه بسبب الإحرام بالعمرة، وقوله:(فَإِنَّ الْعُمْرَةَ إلخ) تعليل للأمر بالحلّ؛ أي لأن العمرة (قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ") يعني أن نية العمرة دخلت في نية الحجِّ، بحيث إن من نوى الحجِّ شُرع له الفراغ منه بعمل العمرة، وهذا هو الصواب في معنى الحديث، فهو دليل على مشروعيّة فسخ الحجِّ إلى العمرة، وقد تقدّم البحث عنه مستوفًى. ومن لا يرى الفسخ يقول: معناه حلّت العمرة في أشهر الحجِّ، وصحّت بمعنى دخلت في وقت الحجِّ، وشهوره، وبطل ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم حلّ العمرة في أشهر الحجِّ.
وهذا المعنى بعيد عن مقصود الحديث؛ لأن جواز العمرة بيّنه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولًا وفعلًا، وأبطل ما تعتقده الجاهلية قبل هذا حيث اعتمر عُمَره الثلاث في أشهر الحج، فقد اعتمر، عمرة الحديبية في ذي القعدة، وكذا عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، فكلها في ذي القعدة، وهو من أشهر الحرم، ثم قرن الرابعة مع حجته، فكيف يقال: إن الصحابة لَمْ يعلموا جواز العمرة في أشهر الحج حتى أمرهم بالفسخ، وقد شاهدوا هذه العُمَر كلها، ثم إنه قال لهم عند الميقات:"من شاء أن يهلّ بعمرة، وحجة فليفعل"، فجوّز لهم الاعتمار في