قال: سمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع، فقال له رجل: روي عن إبراهيم النخعيّ أنه قال: الإشعار مُثلة، فقال وكيع: أقول لك: أشعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول قال إبراهيم؟ ما أحقّك بأن تحبس. انتهى.
وفيه تعقّب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف، وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع، ويتعيّن الرجوع إلى ما قال الطحاويّ، فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه. انتهى كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدّم من الأدلّة أن مشروعية الإشعار هو الحقّ، ومن قال بأنه بدعة، فيُعتذر عنه بأنه لَمْ تبلغه السنة، أو بلغته عن طريق غير مرضيّ عنده، أو تأوّله بتأويل أخطأ فيه.
والحاصل أن الإشعار سنة ثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن أصحابه الكرام - رضي الله عنهم -، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والله تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه]: قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل، إلَّا سعيد بن جبير، واتفقوا على أن الغنم لا تُشعر؛ لضعفها، ولكون صوفها، أو شعرها يستر موضع الإشعار، وأما على ما نُقل عن مالك، فلكونها ليست من ذات أسنمة. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في محل الإشعار:
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف أنه يستحبّ، الإشعار في صفحة السنام اليمني، وقال مالك في اليسري، وهذا الحديث يردّ عليه. انتهى.
وقال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهَ -: السنّة الإشعار في صفحاتها اليمني، وبهذا قال الشافعيّ، وأبو ثور، وقال مالك، وأبو يوسف: بل تُشعر في صفحاتها اليسري، وعن أحمد مثله؛ لأن ابن عمر فعله. ولنا ما روى ابن عباس أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة، وأشعرها من صفحة سنامها الأيمن … الحديث، رواه مسلم.