وأما ابن عمر فقد روي عنه كمذهبنا رواه البخاريّ، معلّقًا، ثم فعلُ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى من قول ابن عمر، وفعله بلا خلاف؛ ولأن النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كان يعجبه التيمن في شأنه كله". انتهى.
وقال البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه": "باب من أشعر، وقلّد بذي الحليفة، ثم أحرم": وقال نافع كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا أهدى من المدينة قلّده، وأشعره بذي الحليفة، يطعن في شقّ سنامه الأيمن بالشفرة، ووَجْهُهَا قِبَل القبلة، باركة.
قال الحافظ: وصله مالك في "الموطإ"، قال: عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديًا من المدينة - على ساكنها الصلاة، والسلام - قلّده، وأشعره بذي الحليفة، يقلّده قبل أن يشعره، وذلك في مكان واحد، وهو موجّه للقبلة، يقلّده بنعلين، ويشعره من الشقّ الأيسر، ثم يُساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة، ثم يُدفع به معهم إذا دفعوا، فإذا قدم منى غداة النحر نحره. وعن نافع، عن ابن عمر، كان إذا طعن في سنام هديه، وهو يشعره، قال:"بسم الله، والله أكبر". وأخرج البيهقيّ في "سننه"(٥/ ٢٣٢) من طريق ابن وهب، عن مالك، وعبد الله بن عمر، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يشعر بدنه من الشقّ الأيسر، إلَّا أن تكون صعابًا، فإذا لَمْ يستطع أن يُدخل بينها أشعر من الشقّ الأيمن، وإذا أراد أن يشعرها وجّهها إلى القبلة.
وتبيّن بهذا أن ابن عمر كان يطعن في الأيمن تارة، وفي الأيسر أخرى بحسب ما يتهيّأ له ذلك. انتهى كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدّم من التحقيقات أن الأرجح أن السنة الإشعار في الصفحة اليمنى؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، ولا حجة في فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - مع صحة المرفوع، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في ذكر بحث جامع لمسائل الهدي:
(اعلم): أنه قد عقد العلامة ابن رشد - رَحِمَهُ اللهُ - في كتابه "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد" بابًا جامعًا لأقوال العلماء فيما يتعلّق بالهدي، أحببت إيراده هنا؛ لكونه يجمع شتات الأقوال.