للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبّاس - رضي الله عنهما - بهذا أن من طاف بالبيت؛ أي وسعى بعده وجب عليه أن يتحلّل، فهو عبارة عن فسخ الحجِّ إلى العمرة، لا أنه يريد أن مجرّد الطواف بالبيت يتحلّل به، بدليل احتجاجه في رواية عطاء الآتية بأمر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه أن يتحلّلوا، ومعلوم أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرهم أن يتحلّلوا بالطواف والسعي، والحلق، أو التقصير، وكان ذلك على رأس المروة، كما هو مصرّح به في حديث جابر - رضي الله عنه -، فقد تقدّم بلفظ: "حتى إذا كان آخر طوافه على المروة … إلى أن قال: فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة"، فقد تبيّن أنه ما أمرهم إلَّا بعد السعي، وأما الشرّاح فقد حملوا كلام ابن عباس هذا على أنه يرى أن مجرد الطواف يكون عمرة كاملة.

ومما يؤيّد ما قلناه من أن ابن عبّاس يعني فسخ الحجِّ ما تقدّم في الباب الماضي عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لَمْ يكن عنده الهدي، فليحلّ الحلّ كله، فإن العمرة قد دخلت في الحجِّ إلى يوم القيامة".

ثم إن حمل كلام ابن عبّاس على الفسخ هو الذي استظهره الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرحه"، وعبارته بعد ذكر تأويلات الشرّاح: ولولا تفسيرهم مذهبه بما ذكروا لكان الأظهر، أو يتعيّن تفسيرها -يعني فتيا ابن عبّاس - بالفسخ؛ لأنه يجيزه، ويشهد لتفسيرها به استبعاد السائل بقوله: "الطواف عمرة"؛ لأن المعنى أنه يجيز الفسخ في العمرة (١)، لا الطواف وحده عمرة، وإذا فسّرت فتياه بما ذُكر لَمْ يمكن استبعاده، ويشهد أيضًا لتفسيرها بالفسخ قول عطاء: "وكان يأخذ ذلك من أمر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أمرهم أن يحلّوا في حجة الوداع"؛ لأن الذي أمرهم به فيها إنما هو الفسخ، وإذا فُسّرت بالفسخ لَمْ يُشكل قوله: "سنة نبيّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "؛ لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر به في حجة الوداع، وما أمر به سنة، وأما إذا فسّرت بما ذكروا، فإنه يُشكل قوله: "سنة نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يفعله، ولم يأمر به. انتهى كلام الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، فراجعه (٢).


(١) وقع في النسخة: "في العمرة" والظاهر أنه بـ "إلى العمرة"، فتأمل.
(٢) راجع: "شرح الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - " ٣/ ٣٧٥.