للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع: هذا الذي قاله الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - تحقيق نفيسٌ جدًّا، وحاصله أن الأولى حمل فتيا ابن عبّاس - رضي الله عنهما - هذه على أنَّها فتيا بفسخ الحجِّ إلى العمرة لمن لَمْ يُهد، وهذا الذي قلناه هو الذي مشى عليه ابن القيّم: في "زاد المعاد" (١) فقد أورد هذا الحديث في جملة الأحاديث التي ساقها لإثبات الفسخ، وتأبيده، حيث عدّ ابن عبّاس - رضي الله عنهما - ممن يرى الفسخ دائمًا، بل يوجبه، كما أسلفنا تحقيقه في محلّه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ: هذا الذي ذكره ابن عباس هو مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور من السلف والخلف، فإن الذي عليه العلماء كافّةً، سوى ابن عباس أن الحاجّ لا يتحلل بمجرد طواف القدوم، بل لا يتحلل حتى يقف بعرفات، ويرمي، ويحلق، ويطوف طواف الزيارة، فحينئذ يحصل التحللان، ويحصل الأول باثنين من هذه الثلاثة التي هي: رمي جمرة العقبة، والحلق، والطواف.

وأما احتجاج ابن عباس بالآية، فلا دلالة له فيها؛ لأن قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} معناه: لا تُنحَر إلَّا في الحرم، وليس فيه تعرّض للتحلّل من الإحرام؛ لأنه لو كان المراد به التحلّل من الإحرام لكان ينبغي أن يتحلل بمجرد وصول الهدي إلى الحرم، قبل أن يطوف.

وأما احتجاجه بأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم في حجة الوداع بأن يحلوا، فلا دلالة فيه؛ لأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة في تلك السنة، فلا يكون دليلًا في تحلل من هو ملتبس بإحرام الحجِّ. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله تلك السنّة ليس عليه دليل، بل هو مخالف لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بل لأبد الأبد"، فمن أين له تخصيصه بتلك السنة؟، وهذا هو الذي أراده ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في هذا الحديث، فإنه يرى أن كلّ من جاء حاجًّا، وليس معه هدي، فعليه أن يتحلّل بأداء العمرة، كما أمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بذلك، وفعلوه، فتبصّر بالإنصاف.

وقال القاضي عياض: قال المازريّ: وتأوّل بعض شيوخنا قول ابن عباس في هذه المسألة على من فاته الحج، أنه يتحلل بالطواف والسعي، قال:


(١) راجع: "زاد المعاد" ٢/ ١٨٥ - ١٨٧.