وهذا الحديث يدلّ على أنهم كانوا مفردين بالحجّ، وقد سبقت أحاديث تدلّ على أن بعضهم كانوا متمتّعين، وبعضهم كانوا قارنين، وبعضهم كانوا مفردين، وقد تقدّم التوفيق بينها.
وقال السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح سنن ابن ماجة" عند قوله: "فكان من القوم من أهل بعمرة إلخ" ما نصّه: هذا الحديث يدلّ على أن بعضهم كانوا متمتعين، وبعضهم مفردين بالحجّ، وحديث أبي سعيد عند مسلم:"خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصْرُخ بالحج صُراخًا" يدلّ على أنهم كانوا مفردين بالحجّ، وحديث أنس عند البخاريّ:"كنت رَدِيف أبي طلحة، وإنهم ليصرخون بهما جميعًا: الحج والعمرة"، وحديث الشيخين عن عائشة يدلّ على أن بعضهم كانوا متمتعين، وبعضهم كانوا قارنين، وبعضهم كانوا مفردين.
ووجه الجمع أن الفعل يُنسب إلى الآمر، كقولك: ضرب الأمير فلانًا، أي أمر بضربه، وكان أصحاب النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم المفرد، ومنهم القارن، ومنهم المتمتع، وكل ذلك منهم بأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتعليمه، فجاز أن يضاف كلُّ ذلك إليه، وكذلك اختَلَفت الأخبار في فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل كان قارنًا، وفيه أحاديث كثيرة مروية عن سبعة عشر من عظام الصحابة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو كان مفردًا بالحج، وفيه أيضًا أحاديث كثيرة، وجاء في التمتع أيضًا أحاديث صحيحة، وذكروا في توفيقها، وترجيح كونه قارنًا وجوهًا متعددةً، منها ما قال النوويّ: والصحيح أنه كان مفردًا أولًا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، فصار قارنًا، فمن روى القران اعتبر آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغويّ، وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتَفَقَ بالقران كارتفاق التمتع، وزيادةً، وهي الاقتصار على فعل واحد. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: ما صحّحه النوويّ من كونه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولًا مفردًا، ثم كان قارنًا، فيه نظر لا يخفي، يردّه حديث عمر - رضي الله عنه - عند البخاريّ في إتيان الملك إليه، وأمره له بالقران، وهذا من أول الأمر، فالأرجح أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قارنًا من أول الأمر، لما ذُكر، فتبصّر، والله تعالى أعلم.