للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحجاز يخففون، قال الطرطوشيّ في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)}: هو صلح الحديبية، قال: وهي بالتخفيف، وقال أحمد بن يحيى: لا يجوز فيها غيره، وهذا هو المنقول عن الشافعيّ، وقال السهيليّ: التخفيف أعرف عند أهل العربية، قال: وقال أبو جعفر النحاس: سألت كلّ من لَقِيت ممن أَثِق بعلمه من أهل العربية عن الحديبية، فلم يختلفوا في أنَّها مخففة، ونَقَل البكريّ التخفيف عن الأصمعيّ أيضًا، وأشار بعضهم إلى أن التثقيل لَمْ يُسمَع من فصيح، ووجهه أن التثقيل لا يكون إلَّا في المنسوب، نحو الإسكندرية، فإنها منسوبة إلى الإسكندر، وأما الحديبية، فلا يُعقَل فيها النسبة، وياء النسب في غير منسوب قليل، ومع قلّته فموقوف على السماع، والقياس أن يكون أصلها حَدْباة بألف الإلحاق ببنات الأربعة، فلما صُغِّرت انقلبت الألف ياءً، وقيل: حديبية، ويشهد لصحة هذا قولهم: لُيَيلِيَة، بالتصغير، ولم يرد لها مكبّر، فقدَّره الأئمة ليلاةً؛ لأن المصغر فرع المكبّر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله، فقُدِّر أصله؛ ليجري على سنن الباب، ومثله مما سمع مصغرًا دون مكبّره، قالوا في تصغير غلمة، وصبية: أغيلمة، وأصيبية، فقدّروا أصله: أغلمة، وأصبية، ولم ينطقوا به؛ لما ذكرت، فافهمه، فلا محيد عنه، وقد تكلمت العرب بأسماء مصغرة، ولم يتكلموا بمكبّرها، ونقل الزجاجيّ، عن ابن قتيبة: أنَّها أربعون اسمًا. انتهى كلام الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

ثم إن عمرة الحديبية قد ثبتٌ أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم بها من ذي الحليفة، ولكن لَمْ يؤدها، فعدّها هنا محمول على أنه همّ بالدخول محرمًا بها، إلَّا أنه صُدَّ عنها، وأُحصر منها فإطلاق العمرة عليها، مع عدم أفعالها باعتبار النية المترتب عليها المثوبة (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "عمرة من الحديبية" يعني: التي صدَّه فيها المشركون عن البيت، فحلّ فيها من الحديبية، وحلق، ونحر، ورجع إلى المدينة؛ كما صالحهم عليه، ثم إنه اعتمر في السَّنة الثانية عمرة القضاء، وسُمِّيت بذلك، وبعمرة القضية أيضًا؛ لأنه إنما اعتمرها في السَّنة الثانية على ما


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٢٣، ١٢٤.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ٤٣٢.