للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان قاضاهم عليه؛ أي: صالحهم، وذلك: أنهم كانوا اشترطوا عليه أن لا يدخل عليهم مكة في سنتهم تلك، بل في السَّنة الثانية، ولا يدخلها عليهم بشيء من السِّلاح إلَّا بالسيف وقِرابه، وأنه لا يمكث فيها أكثر من ثلاثة أيام، إلى غير ذلك من الشروط التي هي مذكورة في كتب السِّير، فوفَّى لهم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك. انتهى (١).

(فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ) بصيغة اسم الفاعل؛ أي العام الذي بعد عام الحديبية، وهي عمرة القضاء (فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ) - بكسر الجيم، وسكون العين، وقيل: بكسر العين، وتشديد الراء - قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "والجعرانة": موضع بين مكة والطائف، وهي على سبعة أميال من مكة، وهي بالتخفيف، واقتصر عليه في "البارع"، ونقله جماعة عن الأصمعيّ، وهو مضبوط كذلك في "المحكم"، وعن ابن المدينيّ: العراقيون يثقلون الجعرانة، والحديبية، والحجازيون يخففونهما، فأُخذ به المحدّثون، على أن هذا اللفظ ليس فيه تصريح بأن التثقيل مسموع من العرب، وليس للتثقيل ذكر في الأصول المعتمدة، عن أئمة اللغة، إلَّا ما حكاه في "المحكم" تقليدًا له في الحديبية، وفي "العباب": والجعرانة بسكون العين، وقال الشافعيّ: المحدّثون يخطئون في تشديدها، وكذلك قال الخطابيّ. انتهى (٢).

(حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ) أي بعد فتح مكة (فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ) يعني التي قرنها مع حجته.

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما عمرته من جعرانة فكانت بعد منصرفه من حنين، ومن الطائف، وبعد قسم غنائم حنين بجعرانة، وأما عمرته مع حجته فهي التي قرنها مع حجته على رواية أنس، أو أردفها على ما ذكرناه عن ابن عمر، واعتمد مالك في "موطئه": على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اعتمر ثلاث عُمَر: إحداها في شوال، فأسقط التي مع حجته بناءً منه على أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مفردًا بالحج، وأما هذه العُمرة المنسوبة إلى شوال فهي - والله أعلم -: عمرة الجعرانة، أحرم بها في أخريات شوال، وكمَّلَها في ذي القعدة، فصدقت عليها النِّسبتان، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٣/ ٣٦٦.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٠٢.