للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا يُعلم للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمرة غير ما ذكرناه مما اتُّفق عليه، واختُلف فيه، وقد ذكر الدارقطني: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج معتمرًا في رمضان (١)، وليس بالمعروف.

وأما قول ابن عمر: إنه اعتمر في رجب؛ فقد غلَّطَتْهُ في ذلك عائشة، ولم ينكر عليها، ولم ينتصر، فظهر: أنه كان على وَهْم، وأنه رجع عن ذلك.

وأما حَجُّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فلم يُختلف أنه إنما حج في الإسلام حجَّة واحدة، وهي المعروفة بحجَّة الوداع، وأما قبل هجرته: فاختُلف هل حجَّ واحدة - كما قال أبو إسحاق السَّبيعيّ -، أو حجَّتين؛ كما قال غيره، وسيأتي عدد غزواته في الجهاد - إن شاء الله تعالى - انتهى (٢).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهَ -: الحاصل من رواية أنس، وابن عمر اتفاقهما على أربع عُمَر، وكانت إحداهن في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وصُدُّوا فيها، فتحلّلوا، وحُسِبت لهم عمرة، والثانية: في ذي القعدة، وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء، والثالثة: في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح، والرابعة مع حجته، وكان إحرامها في ذي القعدة، وأعمالها في ذي الحجة.

وأما قول ابن عمر: إن إحداهنّ في رجب، فقد أنكرته عائشة، وسكت


(١) رواه الداقطنيّ في "سننه" ٢/ ١٨٨، قال في "الفتح": أخرجه الدارقطني من طريق العلاء بن زهير، عن عبد الرَّحمن بن الأسود بن يزيد، عن أبيه، عن عائشة، وقال: إن إسناده حسن، وقال صاحب "الهدي": إنه غلط؛ لأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يعتمر في رمضان.
قال الحافظ: ويمكن حمله على أن قولها: "في رمضان" متعلق بقولها: "خرجت" - يعني قولها: "خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة رمضان" - ويكون المراد سفر فتح مكة، فإنه كان في رمضان، واعتمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة من الجعرانة، لكن في ذي القعدة، وقد رواه الدارقطنيّ بإسناد آخر إلى العلاء بن زهير، فلم يقل في الإسناد: "عن أبيه"، ولا قال فيه: "في رمضان". انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن التأويل الذي ذكره الحافظ بعيد، والذي قاله صاحب "الهدي" من أن في الحديث غلطًا هو الأقرب، ويؤيّد هذا الرواية المذكورة بعده، فإنها تدلّ على اضطرابه وعدم ضبطه، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٦٦ - ٣٦٨.