عن (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ) نُفَيع بن الحارث - رضي الله عنه -، أنه (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:"أَلَا) أداة استفتاح، وتنبيه (أُنَبِّئُكُمْ)، وفي رواية للبخاري: "ألا أخبركم"، وهي رواية أبي عوانة في "المستخرج"، (بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) قال الشيخ ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا يدلّ على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، وعليه أيضًا يدلّ قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}[النساء: ٣١]، وفي الاستدلال بهذا الحديث على ذلك نظر؛ لأن من قال: كلّ ذنب كبيرة، فالكبائر والذنوب عنده متواردان على شيء واحد، فكأنه قيل: ألا أنبئكم بأكبر الذنوب؟، وعن بعض السلف: أن كلّ ما نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - عنه فهو كبيرة، وظاهر القرآن والحديث على خلافه، ولعله أخذ الكبيرة باعتبار الوضع اللغويّ، ونَظَرَ إلى عِظَم المخالفة للأمر والنهي، وسَمَّى كلّ ذنب كبيرة.
قال: ويدلّ أيضًا على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبّئكم بأكبر"، وذلك بحسب تفاوت مفاسدها، ولا يلزم من كون الذي ذكره أنه أكبر الكبائر استواء رُتبها في نفسها، فإن الإشراك بالله تعالى أعظم كبيرة من كلّ ما عداه من الذنوب المذكورة في الأحاديث التي ذُكر فيها الكبائر. انتهى (١).
[تنبيه]: قوله: "أكبر الكبائر" ليس على ظاهره من الحصر، بل "من" فيه مقدرةٌ، فقد ثبت في أشياء أُخَر أنَّها من أكبر الكبائر:
(منها): حديث أنس - رضي الله عنه - في قتل النفس، فقد وقع في رواية للبخاريّ في "الديات" من طريق شعبة، عن ابن أبي بكرة، أنه سمع أنسًا، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس … " الحديث.
(ومنها): حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المتقدّم: "أيُّ الذَّنْب أَعظم؟ "، فذكر فيه الزنا بحليلة الجار.
(ومنها): حديث عبد الله بن أُنيس الجهني - رضي الله عنه - مرفوعًا قال: "من أكبر الكبائر … " فذكر منها: "اليمين الغموس"، أخرجه الترمذيّ بسند حسن، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، عند أحمد.