وقد اختلف في إسناده، فرواه مالك، عن سميّ، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن، قال: جاءت امرأة … فذكره مرسلًا، وأبهمها، ورواه النسائيّ أيضًا من طريق عمارة بن عمير وغيره، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن، عن أمّ معقل، ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن، عن رسول مروان، عن أم معقل.
قال الحافظ: والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين، فعند أبي داود من طريق عيسى بن معقل، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أم معقل، قالت: لما حجّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع، وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض، فهلك أبو معقل، فلما رجع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حجته جئت، فقال:"ما منعك أن تحجي معنا؟ "، فذكرت ذلك له، فقال:"فهلا حججت عليه؟، فإن الحجِّ من سبيل الله، فأما إذا فاتك، فاعتمري في رمضان، فإنها كحجة".
ووقعت لأم طليق قصّة مثل هذه، أخرجها أبو عليّ بن السكن، وابن منده في "الصحابة"، والدولابيّ في "الكنى" من طريق طلق بن حبيب: أن أبا طليق حدثه، أن امرأته قالت له - وله جمل، وناقة -: أعطني جملك أحجّ عليه، قال: جملي حبيس في سبيل الله، قالت: إنه في سبيل الله أن أحجّ عليه، فذكر الحديث، وفيه: فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صدقت أم طليق"، وفيه: ما يعدل الحجِّ؟ قال:"عمرة في رمضان".
وزعم ابن عبد البرّ أن أمّ معقل هي أم طليق، لها كنيتان، وفيه نظر؛ لأن أبا معقل مات في عهد النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب، وهو من صغار التابعين، فدلّ على تغاير المرأتين.
ويدلّ عليه تغاير السياقين أيضًا، ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث ابن عباس بأنها أم سنان، أو أم سليم؛ لما في القصّة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصّة التي في حديث غيره؛ ولقوله في حديث ابن عباس: إنها أنصاريّة، وأما أم معقل، فإنها أسديّة، ووقعت لأم الهيثم أيضًا، والله تعالى أعلم. انتهى كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.