٤ - (ومنها): أن فيه رواية صحابيّ عن صحابيّ -رضي الله عنهما-.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ) عامر بن واثلة -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ) -رضي الله عنهما- (أَرَأَيْتَ)؛ أي أخبرني (هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشْيَ أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِن قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ) أبو الطفيل (فَقَالَ) ابن عبّاس -رضي الله عنهما- (صَدَقُوا، وَكَذَبُوا) قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: يعني: أنهم أصابوا من وجه، وغَلِطوا من وجه، فأصابوا من حيث إنهم نسبوه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وغَلِطوا من حيث ظنوا أن تلك الأمور راتبة، لازمة؛ وإنما كان ذلك لأسباب نبَّه عليها فيما ذَكَر من الحديث.
ويظهر من مساق كلام ابن عباس أنها ليست بسنة راتبة عنده، فارتفعت لارتفاع أسبابها، وهذا لا يمكن أن يُقال في الرَّمل في الطواف والسَّعي؛ إذ قد فعله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع فقد تلك الأسباب، فينبغي أن يُقال: هو سُنة مطلقًا، كما هو مذهب الجماهير. انتهى (١).
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: يعني صَدَقوا في أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فعله، وكَذَبُوا في قولهم: إنه سنة مقصودة، متأكدة؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يجعله سنة مطلوبةً دائمًا على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة؛ لإظهار القوّة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى. هذا معنى كلام ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا الذي قاله من كون الرمل ليس سنةً مقصودةً هو مذهبه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، ومن بعدهم، فقالوا: هو سنة في الطَّوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنةً، وفاتته فضيلةٌ، ويصح طوافه، ولا دم عليه، وقال عبد الله ابن الزبير: يسنّ في الطوفات السبع، وقال الحسن البصريّ، والثوريّ، وعبد الملك بن الماجشون المالكيّ: إذا ترك الرمل لزمه دم، وكان مالك يقول به، ثم رجع عنه.
دليل الجمهور أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رمل في حجة الوداع في الطوفات الثلاث